مقالات

قتل النساء للاستيلاء على ارثهن وأموالهن وممتلكاتهن

كتابة: علياء محمد

في العراق يمكن جدا أن يقتل الرجل المرأة ويدعي أنه قتلها غسلا للعار فيحصل على حكم مخفف ثم يستولي على ما تركت الضحية من أموال، راتب تقاعدي، حلي ذهبية، أو بيت. يقتلها لدوافع عديدة من ضمنها طمعه بما تملكه أو من أجل أن تبقى حصتها من الإرث له وحينما يقبض عليه سيدعي أنه قتلها من أجل الشرف.لكن كيف يسمح القضاء للرجل الجاني بذلك؟يسمح له من خلال المادة 409 من قانون العقوبات العراقي أما العقوبة التي تقع على عاتقه فهي ثلاث سنوات قابلة للتخفيف تحت بند المادة (128/ الفقره 1) والتي على اساسها يتم تخفيف العقوبة او إعفائه تحت بند (الجريمة لبواعث الشرفية)، وهذا البند يرجع تفسيره على الاغلب الى اجتهاد القضاة.نجد أن المادة 409 تخول المجرم باستخدام عنصر المفاجأة والقتل. ولا يطلب من الجاني أي دليل ملموس فما عليه سوى أن يدعي و يطعن بأخلاق الضحية ليبرر من خلال ذلك جريمته أمام القضاء.تقول إيناس الربيعي (ناشطة بحقوق المرأة والطفل):” المادة 409 تخفف القتل العمد تحت ذريعة جرائم الشرف علما أنها تخالف العدالة الاسلامية والدستور العراقي الذي يقول لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثواب أحكام الإسلام. وعلى الرغم من تحديد القانون العراقي برؤية الجاني المجني عليها في الفراش مع رجل لكننا نرى أن المحاكم تحكم حسب ادعاء الجاني وشهادة أهله أو أقاربه. أن المادة 409 هي مادة عشائرية بحتة من خلالها تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات وللقاضي سلطة تقديرية في تخفيف العقوبة إلى سنة أو 6 أشهر”.تروي سناء (اسم مستعار) عن موظفة في الأربعينيات من عمرها كانت تعيش مع عائلتها وأخيها الأصغر الذي يعنفها. كانت قد استلمت سلفة مالية وباعت حليها الذهبية لتشتري قطعة أرض صغيرة. لكن أخاها طمع في أموالها فحاول أن يستولي على ما لديها. أدى عدم رضوخها له إلى زيادة تعنيفها من قبله، إلى أن قام في إحدى الليالي بضربها ضربا مبرحا فقتلها. اتفق مع العائلة على أنه سيقول إنه قتلها غسلا للعار. وبالفعل ادعى ذلك وأفلت من العقاب ورجع ليستولي على ما تركته أخته من أموال وليس هذا فحسب بل استفاد من الراتب التقاعدي بعد وفاتها والذي كان من المفروض أن جزء منه يكون حصة لوالدتها التي سكتت عن الحقيقة حتى لا يعاقب ولدها عقوبة مشددة.بصورة عامة نجد أن الذريعة دائما تكون من أجل “الشرف” لكن دوافع هذه الجرائم على الاغلب لا تمت للجنس بصلة وليس لها علاقة “بعفة” المرأة حسب المقاييس الذكورية العراقية. غالبا تقتل المرأة بسبب شجار حصل في منزل العائلة أو بسبب عنف أسري تتعرض له. تقتل المرأة بسهولة في حالة عدم التزامها بالمعايير والحدود التي وضعت لها. مثلا (أن وجدوا صورها على وسائل التواصل الاجتماعي في حالة أن قامت هي بوضعها أو شخص سرق هاتفها ونشر الصور أو شخص قام باختراقها وابتزازها. حتى وإن كانت ترتدي الحجاب في الصور فليست كل النساء في العراق مسموح لهن بوضع صورهن على حساباتهن الشخصية فأغلب العوائل تعتقد أن وضع نسائهم لصورهن على الإنترنيت هو عار ويستحقن القتل على أثره.تقتل المرأة مثلا لو أنها تطلقت، أو لأنها أرادت ترك منزل العائلة والعيش والاستقلال عنهم في بيت خاص بها. تقتل إذا أرادت مواصلة التعليم أو العمل وكان ممنوع عليها ذلك. تقتل إذا أرادت نزع الحجاب أو العباءة.في العراق كل تصرف تقوم المرأة به هو مرتبط بشرفها والذي يعتبر في الأصل مرتبط أو يخص شرف العائلة والقبيلة. هنالك إحصائية تبين إن 68 % من الشباب العراقي يؤكدون أنهم سيقتلون أي أمراة من عائلتهم يعتقدون أنها يمكن تسلك سلوك شائن يمكن أن تجلب من خلاله العار لهم بصورة أو بأخرى.تروي أحلام (اسم مستعار) عن قيام شاب بقتل والدته المعلمة بتحريض من والده الذي أقنعه أن يقتلها ويدعي أنه فعل ذلك غسلا للعار. كانت الأم تصرف على ابنها وزوجها من راتبها وكانت صاحبة أملاك لذلك طمعا فيها. تقول أحلام إن الابن القاتل تم إيقافه لمدة أسبوع فأقسموا على أن القتل كان من أجل الشرف. بعد وفاتها بأكثر من أربعين يوما ذهب ابنها القاتل ليراجع مديرية التربية ليقوم بإجراءات معاملة التقاعد ليستفيدوا من راتبها بعد أن أتفقوا و قتلوها وورثوها فيما بعد.السؤال هنا هل في حالة كون الابن قتل والدته أو الأب قتل ابنته أو الزوج قتل زوجته أو الأخ قتل أخته تحت ذريعة غسل العار،هل يستحق أن يرثها؟يقول المحامي محمد جمعة:” في نقطة هل يرث القاتل المقتول؟ في هذه الجزئية… قام القانون بالرجوع لأحكام الفقه، فيتم الحكم هنا حسب مذهب القاتل. عند الحنفية القاتل بالمطلق لا يرث (حتى مرتكب جرائم الشرف لن يرث الضحية) أما عند الجعفرية القاتل عدوانا لا يرث أي فيما معناه أن جرائم الشرف تعتبر قتلا غير عدوان فسوف يرث الضحية التي قتلها تحت ذريعة الشرف.”يقول ايضا المحامي جعفر سالم:” مرتكب القتل العمد لا يورث (وفي حالة قتل نساء العائلة طمعا بما يملكن أو بدافع الكراهية أو تحت ذريعة جريمة الشرف التي هي صورة من صور القتل العمد لكن عقوبتها مخففة) يستطيعون الادعاء ان القتل ضد مجهول أو حادث عرضي أو انتحار وبهذا الادعاء سيرثون الضحية”.تروي زهراء (اسم مستعار) عدة قصص منها: قام أب بقتل ابنته التي كانت تدير وتعمل مع أخواتها في صالون تجميل نسائي. كان الاب يسيطر على أموالها ويأخذ ما تكسب وعندما علم أنها تخفي عنه مبلغا ماليا كبيرا ضربها ثم رماها من سطح المنزل. أدعى ببساطة أن وفاتها حصلت نتيجة حادث.كذلك تحدثت عن أمراه قام زوجها بحرقها بعد أن تشاجر معها من أجل أن تعطيه ورثها الذي حصلت عليه من أخيها وطلب منها أن تكتب بيتها الخرب باسمه. فأدعى أنها انتحرت بحرق نفسها.معظم طرق القتل تكون بواسطة الشنق، الحرق، الرمي من ارتفاع، الصعق، وحتى إطلاق رصاص. ويتم التبليغ عن حالات القتل بواسطة أحد أفراد العائلة حيث يدعون أنها انتحرت أو تعرضت لحادث أو عارض فتقبل السلطات شهادة العائلة أو الأهل والأقارب عن الحالة التي أدت إلى وفاة الضحية.إضافة إلى ذلك تقوم بعض العوائل مهمها اختلفت دوافعهم بإجبار الضحية على قتل نفسها لجعل الأمر يبدو كما لو أنها انتحرت وهو في الواقع ليس سوى انتحار قسري أو جريمة تمت تحت ذريعة الشرف.في تقرير بعنوان ” نساء العراق المفقودات/ لمشروع سيسفاير،يذكرأن: “المستشفيات تقوم بتسجيل حالة الوفاة انتحار أو حادث حتى وإن ظهر على جسد الضحية آثار عنف أو قتل عمد خوفا من انتقام العائلة . وايضا “أن أفراد الشرطة ومنظومة المحاكم تقع أيضا تحت تأثير العائلات والعشائر ذات النفوذ و السطوة مما يؤدي الى تبرئة الجناة من التهم المنسوبة اليهم حتى في ضل وجود أدلة واضحة تدينهم”.يروي مهند (اسم مستعار) عن رجل أقتحم المنزل الذي تسكن فيه أخته الصغيرة بعد أن توفي والدها. كان يظن أن المنزل من ضمن التركة التي سيرثها من والده… لكنه تفاجئ بكون الأب قد سجل المنزل باسم ابنته التي رفضت الزواج من أجل العناية به. أراد الأخ إرغام الأخت على أرجاع المنزل لهم أو تسجيل المنزل باسمه والتنازل عن حصتها في الورث، لكنها رفضت… فذهب إلى المنزل وأطلق على رأسها النار.في الحال سلم نفسه وأدعى مع أخويه الاثنين وأقاربهما أنه قتلها غسلا للعار. بقيت حصتها من الارث لهم و ايضا ورثوا المنزل الذي كان باسمها والذي قتلت من اجله.نجد هنا أن في حالة كون الأدلة واضحة وتدين القاتل ولم تتوفر الظروف المناسبة ليحولوا جريمة القتل إلى انتحار أو حادث، يتفق القاتل مع أقاربه على تأليف قصة للطعن بعفة المرأة للاستفادة من العقوبة المخففة التي توفرها لهم المادة 409 و128 .ينوه أيضا المحامي محمد جمعة على: “إن الضحية إذا أرادت الدفاع عن نفسها عندما يقوم رجل من عائلتها بمحاولة قتلها تحت ذريعة غسل العار فاستطاعت أن تردعه وتدافع عن نفسها وتقتله. فسيعتبر فعلها قتل عمد لأن المادة 409 لا تشملها بحق الدفاع الشرعي.جميع مدن ومناطق العراق تشهد جرائم قتل النساء تحت ذريعة جرائم الشرف بغض النظر عن الديانة أو القومية فهي تحدث في العوائل العربية والكردية والتركمانية، الشيعية والسنية وحتى الأقليات الدينية والعرقية.تكمل إيناس كلامها: “ترفض السلطة التشريعية في العراق إلغاء المادة 409 والمادة 128 وعلى الاغلب يستند القضاء أيضا الى قرار مجلس قيادة الثورة رقم 6 لسنة 2001 اعتبار قتل الزوجة أواحد المحارم بداع شريف من الأعذار المخففة- مادة 130 عقوبة / الفقرة اولا. وهذه المواد ليس لهن اي سند ضمن الدين الإسلامي”.القرار أعلاه الاخير لا يزال نافذا حتى الآن بحسب قاعدة التشريعات العراقية وتوضح لنا أيناس بأنها ناقشت هذا القرار: “عندما يقتل الجاني المجني عليها للحجج السابقة الذكر يحكم عليه حسب المادة 409 بالحبس لمدة 6 أشهر على الأقل وهو الحق العام وبعدها تطبق عليه مادة 128 عقوبة الأحكام المخففة لباعث شريف ويجب أن ننوه إلى أن توظيف القانون هنا خاطئ لأنه في المنطق، الباعث الشريف ليس له علاقة بغسل العار بل هو مثلا في حالة القتل من أجل الدفاع عن نفسك أو عائلتك أو بيتك. لكنهم كيفوا القتل غسلا للعار تحت قرار مجلس قيادة الثورة رقم 6 لسنة 2001 اعتبار قتل الزوجة أواحد المحارم بداع شريف من الأعذار المخففة- مادة 130 عقوبة. الفقرة أولاً:…الخ. ، لذلك حتى عقوبة الحبس لمدة 6 أشهر سوف تسقط ليكون القاتل حرا”.تقول إسراء سلمان (ناشطة بحقوق المرأة): “جرائم الشرف هي ذريعة للعديد من الجرائم التي تمارس ضد النساء. منها اغتصاب المحارم وعند عدم موافقة الضحية على تلك الجريمة يعرضها ذلك للقتل أو بسبب مشاكل الإرث التي تذهب ضحيتها العديد من النساء أو بسبب محاولات العديد من الرجال إنهاء الزواج دون أي خسائر مادية (حقوق الزوجة والأطفال). ونرى العديد من الرجال يقومون بالمتاجرة بنسائهم وعند رفض تلك النسوة يقتلن تحت ذريعة جريمة الشرف. امن وحياة النساء مهددة بسبب مواد تعتبر في الأصل مخالفة للدستور العراقي والمعاهدات والمواثيق الدولية والإقرار العالمي لحقوق الإنسان… نجد أن مواد قانون العقوبات تخالف بشدة مواد الدستور العراقي (13 و14) كما أن نصوص المواد تخالف المعاهدات التي التزم بها العراق مثل سيداو و.ICCPR في السادس من آذار عام 2022 قمنا بتقديم الطعن في المحكمة الاتحادية حول المواد 409 و 128 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969”.أما نتيجة الطعن توضحه أيناس: “على الرغم من أن الدفوع كانت تتمحور وتستند شرعيا ، فالشرع يمنع قتل (الزانية) حتى بوجود 4 شهود. وأيضا تستند حول الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق وأيضا تستند لكون المادة 409 تخالف الدستور وبالتحديد المادة 14. فقد قاموا برد الدعوى بكلام غير ذي صلة متجاهلين جميع ما أستندنا عليه . كما موضح بالصورة المرفقة”.أخيرا تنهي إسراء وإيناس كلامهما عن المادة 409 بكونها لا توضح ولا تفصل نوع “المحارم” (المذكورة في نص المادة) هل هي محارم دائمة ( الأم ، الأخت، الابنة، وابنه الأخ والأخت… أم محارم مؤقتة مثل المطلقة إلى أن تنتهي عدتها وأم الزوجة وأخت الزوجة. أختم بما قالته الروائية النسوية التركية أليف شفاك : إننا يجب علينا كنشطاء ومدافعين أن نكف عن استخدام مصطلح جرائم شرف، يمكننا استخدام:(femicide ,family hate crimes )(قتل النساء ، جرائم الكراهية العائلية) لأن أي امرأة أو شخص لا يتوافق مع المعايير المتوقعة يمكن أن يعاقب باسم الشرف وإذا واصلنا استخدام المصطلح بهذه الطريقة فإنه يعطي خطاب الشرعية لمرتكبي العنف والإجرام فهم دوما يقولون في المحاكم: أنا فعلت ذلك من أجل شرفنا.علينا أخذ تلك القوة الخطابية بعيدا عنهم لأنه لا يمكن أن يكون هنالك إي شرف في إي نوع من القتل أو الكراهية أو التمييز.

كل التفاعلات:٢٣٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى