التعديل بقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، كما هو مقدم الى البرلمان العراقي من قبل اعضاء البرلمان الاسلاميين، مرفوض. ان ما تقدم به عضو البرلمان رائد المالكي ليس تعديلا قانونيا، بل انه اباحة لارتكاب الجرائم ضد النساء، والبنات والطفلات. انه ليس ” حق الخيار وحرية” في تطبيق المذاهب في الامور المتعلقة بالأحوال الشخصية. ليس هنالك “حق وخيار” باغتصاب الطفلات. ليس هنالك “حق او خيار” بملامسة وتفخيذ الرضيعات. ليس هنالك “حق او خيار” بامتناع الرجل عن النفقة على الزوجة اذا امتنعت عن ممارسة الجنس مع زوجها. ليس هنالك “حق او خيار” في فرض ممارسة الجنس او المعاشرة الزوجية على المرأة، بدون رغبتها وارادتها. بل ان لم تتوافر ارادة المرأة الحرة، يعتبر جريمة اغتصاب زوجي، ويجب ان يعاقب عليه القانون. ليس هنالك ” حق او خيار” بحرمان الزوجة من الارث. ليس هنالك قوانين مختلفة حسب حرية واختيار الافراد. لو كان كل شخص يريد تطبيق، على سبيل المثال، قوانين المرور، حسب حريته واختياره، لن يعد فيه الضوء الاحمر ملزما بالتوقف للجميع، والضوء الاخضر يسمح للجميع للتحرك، اية فوضى ستنتج وكم عدد الارواح ستزهق. ليس هنالك حرية في صنع القوانين حسب رغبة الافراد. بل قانون الدولة يجب ان يكون سائدا وليس قانون الطوائف والمذاهب على كافة المواطنين والمواطنات، القانون الذي يعامل الجميع على قدم المساواة.
لقد كنا نتطلع الى تغيير قانون الاحوال الشخصية الذي وضع قبل خمسة وستين عاما نحو الافضل، لنسير بمصاف الدول التي وضعت واكتسبت حقوقا افضل للنساء والاطفال عبر هذه العقود، الا ان الاحزاب الاسلامية تريد دفع اوضاع النساء القهقري الاف السنين الى الخلف. لقد بدأت محاولاتهم هذه منذ يوم 27 كانون الاول عام 2003 ولحد يومنا هذا، بمحاولة استبدال قانون الاحوال الشخصية بالشريعة الاسلامية. وما فشلوا فيه عام 2003، نجحوا في فرضه في المادة 41 من الدستور العراقي لعام 2005. حيث نصت على ان الاسر تحتكم الى مذاهبها الدينية فيما يتعلق بقضايا الاحوال المدنية. هذا الامر رفضته نسويات العراق، ورفضه الرجال المؤيدون لحقوق المرأة. بدلا من ان نمضي قدما، بمنع تعدد الزوجات كما ورد في قانون 188 ونزيله جملة وتفصيلا، يريدون الان تشريع تعدد الزوجات بدون قيد او شرط. وبدلا من ان يوضع سن الثامنة عشر كسن للزواج يريدون الان بتعديلهم الجديد، تخفيض السن الى التاسعة من العمر والى اقل من ذلك، بل وحتى الانثى في رحم امها، يمكن ان تكون متزوجة اذا ما قرر والدها ذلك. وبهذا يسمحون وفق شرائعهم، كما يقولون بتفخيذ الرضيعة، وملامسة جسدها. الى هذا الدرك من الاجرام يريدون دفع المجتمع والسماح بالقيام بهذه الممارسات.
العراق ليس بقعة جغرافية في كوكب اخر، بل هو جزء متأثر بما يحيط به في العالم، لا يمكن لهم بدعوى “المذاهب والاديان”، سحق حقوق الاطفال وحقوق النساء، في الوقت الذي تسعى فيه الحركات النسوية، والمدافعة عن حقوق الطفل والاتفاقيات الدولية، ان تضع وتصيغ افضل القوانين لحقوق الانسان. لم يطلب احدا من الشعب العراقي من اي عضو في البرلمان بان يقوم بتغيير قوانين الاحوال الشخصية. لقد طالبنا بتشريع قانون لتجريم العنف الاسري، ولكن مرت اكثر من 13 عاما، ولما يزل، لم يقلب اوراق هذا المقترح احد في البرلمان.
كلنا نتذكر ما حدث في اوائل القرن العشرين، حين ارادت الدولة العثمانية استخراج بطاقات هوية لمواطني ومواطنات الدولة العثمانية. لقد ثارت ثائرة شيوخ العشائر ضد هذا القرار، واعتبروا ان النساء لسنا بشرا كاملا ليتم استخراج بطاقة احوال مدنية لهم. ولكن لننظر اي مرحلة قطعنا، اصبحت المرأة لها بطاقتها الشخصية، وهي تدرس وتعمل وتساهم في الحياة العامة.
الان نخوض معركة الاعتراف بحقوقنا وبهويتنا كنساء متساوي الحقوق مع الرجال. ان يتم الاقرار بان المرأة انسانا وكيانا كاملا و ليس تابعة للرجل. فأولا وقبل كل شيء، للمرأة التي تدخل علاقة زوجية يجب ان تكون هي وليس والدها، هو صاحب القرار في تزويجها. يقولون ان الاب يحقق مصلحة ابنته. وماذا يعني ان يعي الاب مصلحة ابنته؟ ان الذي سيتزوج ليس هو الاب، بل الانثى، المرأة، ويجب ان تكون واعية ومدركة وقررت عن وعي وادراك الدخول في علاقة زوجية، وليس الاب. فكيف تستبدل ارادة البنت بإرادة الاب في امر يتعلق بزواجها. ان المرأة هي التي ستتزوج، وهي التي ستحمل وتنجب اطفالا، وتتحمل اعباء الاسرة، ويجب ان تكون مدركة لما هي مقبلة عليه، وليس قناعة الاب. وكيف يعطى للاب الحق في تزويج بنته وهي جنين في رحم امها، وفي اي وقت بعد ذلك. ان مس جسد الطفلة الرضيعة، بحجة زواجها، امر بربري ووحشي ويجب ان يعاقب عليه القانون، لا ان يجيزه.
يقولون لنا، ان تشريع قانون يسمح بزواج الطفلة في سن التاسعة، لا يفرض على الاباء ان يزوجوا بناتهن في هذا السن. هل هنالك حجج اكثر سخفا وتفاهة من هذه الحجج؟ حيث سيسمح هذا القانون لمن يريد تزويج بنته بسن التاسعة او اقل ان يقوم بذلك. يقولون لا يتوجب على الرجل ان ينفق على زوجته المريضة، لأنه لا يستطيع الاستمتاع بها جنسيا. هل هنالك انحطاط وانعدام انسانية اكثر من هذا؟ هذا ما يريدوا فرضه وجعله ثقافة في المجتمع العراقي. علما ان المجتمع العراقي اكثر رقيا وانسانية وتمدنا من دعاة تعديل هذا القانون. كم من الازواج، بذلوا الغالي والنفيس من اجل معالجة زوجاتهم المريضات سواء داخل العراق او خارجه. ان الاسر لهي اكثر انسانية من اعضاء البرلمان، الذين يريدون اتاحة الفرصة للرجل بالتنصل عن زوجته في وقت مرضها. ثم يتهموننا باننا نحطم الاسرة. هل هناك تحطيما للأسرة من رجل يتنصل عن معالجة زوجته لأنها مريضة ولا تشبع حاجاته الزوجية؟ هل من انسانية في هكذا علاقة؟ بل ولا يعطون المرأة حقوقها كاملة في الارث، مع العلم ان قيام المرأة بالعمل الرعائي والمنزلي، هو الذي مَكًن الرجل من القيام بأعماله، ولولاها ولولا جهودها، لما اكتسب ما اكتسب من اموال، الا ان القانون يمنحه الحق بمنع الزوجة من ان ترث زوجها، وخاصة فيما يتعلق بالأراضي. ان المعاشرة الزوجية امر ينبع من الرضا الطوعي لدى كلا الطرفين، وليس فرضا وقهرا من قبل طرف على طرف اخر. الرجل الذي يغفل كل العمل الرعائي والمنزلي الذي تقوم به المرأة، دون مقابل ودون اجر، ويضرب كل دورها عرض الحائط، ويعطي الحق لنفسه، بعدم الصرف او النفقة، لأنها امتنعت عن ممارسة الجنس معه، يعني استهتارا بكل العمل الذي تقوم به طوال النهار وحتى في اوقات الليل، توقف النفقة، وفق المذاهب الشيعية والسنية ان لم ترضخ المرأة جنسيا للرجل. فأي اضطهاد وامتهان لكرامة الانسان، يشكل هذا القانون، الذي يراد تمريره؟
ان كل هذا وغيره يجعلنا نفكر بماهية فلسفة الزواج لدى اشخاص هذه الحركات الاسلامية، ماذا يعني الزواج؟ هل هو رابطة عاطفية، وتنم عن المحبة والتعاون في وقت الضيق ووقت الفرج، في وقت الفقر ووقت الغنى، بوقت الصحة وبوقت المرض، ام ان العلاقة الزوجية، هي علاقة امرأة خاضعة لإرادة رجل؟ هل هذه هي العلاقة الزوجية.
اننا نقف ضد هذا التمييز الجنسي ضد النساء. وتحت مقاومتنا ورفضنا لم ينجحوا لحد اللحظة في تشريع هكذا قانون، على الرغم، انه في الواقع العملي، يتم خرق هذا القانون كل يوم بسبب عدم وجود دولة وعدم وجود الرغبة لدى الدولة بتنفيذ هذا القانون، ومع هذا، ان نجحوا في تمرير هذا القانون اليوم، فإننا سنبقى نناضل ضده ، كما فعلنا بالأمس، واليوم وغدا، لأنه ضد الانسانية، وضد حقوق النساء والاطفال. وسنبقى نناضل من اجل قانون احوال شخصية قائم على اساس المساواة والتكافؤ بين المتزوجين.
لقد رأينا ردود افعال المجتمع العراقي لدعوى تعديل قانون الاحوال الشخصية. لقد قال بعض العاملين في محلات صاغة الذهب: لن نبيع ذهبا لأي عروس اقل من السن القانوني( السادسة عشر) وامتنعت عدد من صالونات الحلاقة، بتزيين العرائس اقل من هذا السن، ورأينا افلام الفيديو الساخرة من زواج الطفلات. اننا نتطلع الى تشريع اكثر القوانين انسانية، وتقر بالمساواة بين الرجل والمرأة، عند الزواج وعند الطلاق وعند الارث.