إستسهال قتل النساء في العراق: مقتل أم فهد، والحكم بالسجن المؤبد على أم اللول، عن أية ظواهر نتكلم ؟
شنت موجة جديدة من قتل النساء في العراق، بدأت بمقتل ام فهد، وعددا اخر من النساء في أماكن متفرقة. وتعرضت أخريات الى العقوبات والتهديد، فقد حكم على هديل خالد عبد الرشيد المعروفة “بام اللول ” حكما بالسجن المؤبد بدعوى انخراطها في شبكة تجارة المخدرات. وتهمة ام اللول بنيت على إعتراف شخص واحد، كان هو قد حكم عليه بتهمة الاتجار بالمخدرات. أن هذا الفيلم يذكرنا بفيلم(جست ميرسي-Just Mercy) الاميركي الذي يتحدث عن اصدار حكم بالاعدام على رجل اسود البشرة في تسعينات القرن المنصرم بجريمة لم يرتكبها، ولكن تم اصدار الحكم بناء على شهادة من رجل أبيض كان نفسه سجينا، الا انه ادلى بشهادة رؤيته للرجل الاسود وهو يقتل شابة بيضاء. لتكون هذه الشهادة الوحيدة كافية لادانة الرجل الاسود بتهمة القتل، دون اية تحقيقات او البحث عن ادلة اخرى. وهكذا كانت عقوبة هديل خالد ( ام اللول)، بالاخذ بشهادة شاهد سجين واحد، ونتيجة التحقيق!!! تم اكتشاف تورطها بالاتجار بالمخدرات والحكم عليها بالسجن المؤبد.
في الوقت الذي تعقبت “العدالة” امر ارتباط ام اللول بشبكة اتجار بالمخدرات، واصدرت ونفذت حكمها، لم تحرك ساكنا للتحقيق في قضايا قتل النساء اللواتي سلبن حق الحياة. فكم لجنة تشكلت، وكم مرة تم الوصول الى القتلة، و كم مرة تم تطبيق العدالة بحق قتلة هؤلاء المواطنات العراقيات؟ الجواب هو لاشيء. وراح الموضوع في طي النسيان. ليس لمقتل ام فهد، بل لمقتل ريهام يعقوب، وتارا فارس، ورفيف الياسري، وسعاد العلي، والعشرات غيرهن.
أنه إستسهال قتل النساء، واستهدافهن لاسباب مختلفة. فالمرأة هي الكائن الاضعف في مجتمع تنص قوانينه وبشكل رسمي على حق ممارسة العنف ضد النساء. وتسوده ثقافة العنف ضد النساء، ويمتنع برلمانه عن اصدار قوانين تجرم العنف ضد النساء، ويقوم القائمون على دوائر ومؤسسات الدولة بممارسة مختلف اشكال الابتزاز والتحرش والعنف ضد النساء. انها ثقافة قائمة بكاملها على التمييز الجنسي ضد المرأة فقط لانهن نساء.
لم يكن قتل النساء ظاهرة جديدة، فقد امتدت هذه الظاهرة من الحملة الايمانية لصدام حسين في تسعينات القرن المنصرم والتي قتلت فيها النساء الممتهنات للجنس، الى قتل النساء على الميلشيات الاسلامية بعد عام 2003 بسبب عدم ارتداء الحجاب ومن اجل قسر برنامجهم الاسلامي على المجتمع ، مرورا بقتل النساء العاملات في التجميل وعارضات الازياء في عام 2018، الى قتل الناشطات المدنيات في 2019-2020، لنصل اليوم الى مرحلة جديدة من قتل النساء وهذه المرة الضحية هن نساء أرتبطن بمسؤولين في الدولة، وافترض الجميع انهن محميات من جماعات تمتلك القوة والسلطة والسلاح، ليتضح الواقع، انهن في مجتمع لا يتواني عن قتلهن او توجيه اشد العقوبات عليهن، فقط لانهن نساء. لقد جرى اعتقال عدد من يسمين بالبلوكرات والفاشنيسات، بتهمة المحتوى الهابط، ثم- كما في حالة- هديل( ام اللول) بتهمة الاتجار بالمخدرات، ويمكن تلفيق اية تهم: التأثير على الجيل الجديد، تخريب قيم المجتمع، هدم نسيج الاسرة..والخ.
لقد بدأت ظاهرة ظهور نساء يرتبطن بالسياسيين وبهذا الشكل العلني في السنوات الاخيرة، حيث يتمتعن بالحصانة وحماية هؤلاء السياسيين، وحصلن بفعل هذه الصلات، وبفعل وجود الفساد، على امكانيات مالية ليست بقليلة. ولكن النتيجة، وبمقتل ام فهد، والحكم بالسجن المؤبد على ام اللول، يتضح بانه اذا جرى مس الرجل السياسي وشرفه الرفيع، نتيجة صلته بتلك النساء، فان التخلص منهن، يصبح امر ولا اسهل منه. حيث مع بدء تشكيل هؤلاء النساء خطرا عليهم، عُمد الى التخلص منهن بالقتل مرة او بحكم السجن المؤبد مرة أخرى. هذه العقوبات نفذت ضد جنس هو الأكثر عرضة للعنف، وللإضطهاد والإستغلال والابتزاز والتحرش، والمعاملة الدونية.
ان تعامل السياسيين الانتهازي والمصلحي مع هؤلاء النساء، والاستفادة منهن وقت الحاجة، والتخلي عنهن، بل وحتى التمادي والوصول الى قتلهن وتصفيتهن عند اقتضاء مصلحتهم، يدلل على الخساسة التي يغرق بها هؤلاء وحتى اذانهم.
التمييز الجنسي ضد النساء عار على البشرية. يجب ان تصان حياة البشر، وان تجري حمايتهم، رجالا كانوا ام نساء. وان يعاقب كل شخص تسول له نفسه سلب حياة انسان، رجلا كان او امرأة. ان التغاضي عن قتل النساء، فقط لانهن نساء، وكأنه امر ثانوي هو عار بوجه النظام بكامله، بقوانينه، ودستوره، وبرلمانه، وبثقافته، التي نقف نحن النسويات ضده ومن اجله تغييره. تغييره لنظام عادل قائم على احترام حرمة الانسان، وكرامته، واي كان جنسه.
نادية محمود – حزيران 2024