بيانـات

رسالة مفتوحة الى قناة الشرقية

حول المقابلة التي اجريت مع النساء المحكومات بالاعدام، لم يجر الحديث عنه في تلك المقابلات!

بثت قناة الشرقية في هذه الأيام من شهر ايار / ٢٠٢٤ مقابلات اجراها السيد علي الخالدي مع نساء محكومات بعقوبة الاعدام. حيث قال السيد الخالدي مغتبطا، بانه تمكن بعد جهد جهيد من إجراء مقابلات مع هؤلاء النسوة، وأنه تم توفير الاجراءات الامنية له لإجراء المقابلات، حيث نظمت بعضها من خلف الحواجز لحمايته من “وحشية” أولئك النسوة، اللواتي كن بالتاكيد عزلاوات من السلاح، ومحاطات بالحرس من كل حدب وصوب، بل هن اساسا في السجن وخلف القضبان. الا انه تمتع بالحماية لاجراء هذه المقابلات، -مقارنة بمقابلات اخرى أجراها السيد الخالدي لم يوضع السجناء، الذين تمت مقابلتهم، على سبيل المثال في سجن الحوت، ومن ضمنهم المتهمين بجرائم قتل ومحكومون بالاعدام خلف اية اسوار – بل كان لقاءا وديا ، لتكاد تشعر معه أن المقابلات ليست مع محكومين بالاعدام بل مع ” نزلاء” كما أطلق احد موظفي السجن عليهم.

لم يتحول السيد الخالدي الى ضابط تحقيق ليحقق معهم عن جرائمهم في سجن الحوت. بل سالهم عن ظروف السجن، والنشاطات والفعاليات التي يقومون بها، وكيف يقضون أوقات فراغهم، وفي اي وقت يصحون من النوم. الا أنه لعب مع السجينات المحكومات بالاعدام، دور ضابط تحقيق ليسأل عن كيف ولماذا قامت المجرمات بجرائمهن؟ ووجه أسئلته: كيف تقتل أم أطفالها، وكيف قتلت أم اطفالها من أجل عشيقها، وأية أسم عليه أن يستخدم لتسمية أحدى السجينات( هل يجب أن يسميها أم طبر)، ويسأل أخرى، عن سبب أرتباطها برجل آخر، وهي متزوجة. لم يسال أي واحدة منهن عن ظروف السجن، فيما اذا كانت تحققت العدالة في إصدار الحكم عليها، فيما اذا كانت هنالك أي جوانب تم الأخذ بها من أجل تخفيف الحكم، لم يسال أي واحدة، كيف تنام، وكيف تصحو، بل هذا النوع من الاسئلة يبدو ترفا لامرأة متهمة بالقتل ومحكومة بالموت. هذا، ناهيك عن أن السيد الخالدي لم يسأل عن وضع السجون، عن نظافتها، وعن ازدحامها، وعن حاجات النساء كنساء، والتي يجب ان تتوفر في سجون صممت للرجال أصلا.

الا ان السؤال الذي نريد طرحه هنا: ما هي الرسالة التي سعى السيد الخالدي وبرنامجه وقناة الشرقية لايصالها للجمهور؟

تكاد تجمع إجابات النساء المحكومات بالاعدام، والتي أعمارهن لا تتجاوز العشرينات، على تزويجهن وهن في سن الطفولة( 12 سنة)، وأنهن ولدن في أسر فقيرة، ولم يحظين بأي فرص للتعليم، وسعت اسرهن للتخلص من مسؤوليتهن المادية بتزويجهن من رجال متزوجين من كبار السن، ليكونّ هن الزوجة الثانية أو الثالثة، تحدثن عن أنهن قمن بقتل الرجال الذين قاموا بتعنيفهن، والتحرش بهن في أسرهن، وأنهن قمن بهذا دفاعا عن النفس.

كما اتضح في اعترافات السجينات، لم يبقى للنساء سبيلا للخلاص من أوضاعهن المزرية وانه لم يعد يشكل بالنسبة لهن فارقا الحياة او الموت. فالمرأة التي تواطئت بقتِل أطفالها، كانت تريد ان تموت معهم، حيث لا حياة لها معهم او بدونهم. كان مثيرا للاستغراب ان يسأل السيد الخالدي إمرأة محكومة بالإعدام عن علاقتها بعشيقها، وكيف يمكن أن تكون على علاقة وهي المرأة المتزوجة؟ وكأن الخيانة الزوجية أمر جلل اذا ما قامت به النساء فقط ، والتي نالت عقوبة السجن لخمس سنوات عليه ، مضافا لحكم الإعدام. كم رجل تم سجنه لخمس سنوات لانه قام بالخيانة الزوجية؟ لا يمكن ذكر أية امثلة، لان القانون متحيز، وتمييزي، وغير عادل، ومزدوج الاخلاق ومزدوج المعايير. فللنساء قانون ،وللرجال قانون اخر! وليس الجميع متساوون امام القانون. والقانون لا يوفر الحماية للجميع بدون تمييز. وعقوبات الإعدام والقتل والسجن تجري بطرق تمييزية ضد المرأة.

لنؤكد قبل المضي في الكلام، بأننا ضد عقوبة الاعدام جملة وتفصيلا. لكن النساء يواجهن التمييز القانوني ضدهن حتى في تطبيق عقوبة الإعدام. فالجرائم التي تنال النساء عقوبة الاعدام عليها، لا يتلقى الرجل مقابلها نفس الحكم. الرجل الذي يقتل إمرأة، يكفي له ان يلصق تهمة انه قام بها دفاعا عن الشرف، لتقلص عقوبته الى أشهر قليلة في السجن، كما حدث في جريمة مقتل طيبة العلي. ان العقوبة لا تطبق على أساس نوع الجريمة، بل على نوع جنس الشخص الذي أرتكب الجريمة، فالجريمة التي ترتكبها امرأة يختلف عقابها عن تلك التي أرتكبها رجل. فمن تكون المرأة لتصادر حياة احد؟ أو كيف يمكن للمرأة ان تخون؟ أو اية جريمة أخرى، يرتكبها الرجل لكنه لا يقاضى عليها، كما تقاضى المرأة.

في الوقت الذي ينال الرجل تخفيفا للحكم على جريمة قتله للنساء حين يبرر جريمته بالدفاع عن “الشرف” ، لا تؤخذ أية عوامل مخففة لاعدام النساء مثل العنف الأسري الذي يستمر لسنوات وتعيش المرأة معاناته، والاغتصاب الزوجي، والتحرش من قبل الرجال في الأسرة او المقريين للاسرة. حيث ان جرائم القتل التي قامت بها النساء، كانت ضد رجال في الاسرة، وليسوا خارج المنزل.

تؤكد التقارير الصادرة عن احكام الاعدام بحق النساء في العراق بان بعض النساء لم يحظين بمحاميات او محامين، ولم يعطى الوقت الكافي للتحقيق في حقيقة ارتكابهن للجرائم. على سبيل المثال تمت محاكمة واصدار الحكم بحق 14 متهمة، في غضون ساعتين فقط، ولم تنل الواحدة منهن محاكمة تجاوزت العشر دقائق من الوقت( يمكن الاطلاع على مواد الجلسة ال 74 المنعقدة من قبل اللجنة لمتابعة إيفاء العراق بانهاء كل أشكال التمييز الجنسي ضد النساء والصادرة باللغة الانكليزية في تشرين الثاني من عام 2019). في الكثير من حالات الاعدام لم يجر إطلاع المحاميات على أوراق المحكومات بوقت كافٍ، بل بعض المحامين والمحاميات تمكنوا من الحصول على هذه الاوراق، فقط قبل بضع دقائق من إجراء المحاكمات. هذا، ناهيك عن أعمال التعذيب بمختلف الأشكال الذي تتعرض له النساء لإنتزاع ” إعترافات” منهن بارتكابهن الجريمة. من إستخدام الفلقة في مراكز التوقيف والسجون، الى التعليق، الى الصعق بالكهرباء.

كل الاحصائيات، ليس في العراق فحسب، بل في العديد من بلدان العالم، تشير الى أن العنف المنزلي والدفاع عن النفس هو السبب الاول لقيام النساء بقتل الرجال. أنها ظاهرة عالمية ولا تقتصر على العراق فقط. يعتبر العراق واحدا من ثلاثة بلدان هي الاكبر عددا في إعدام النساء بعد الصين وايران. الصين تعدم سنويا من النساء ما يعادل 1-15% من عدد الاعدامات، ايران اعدمت 38 امرأة ، يليها العراق، كاحد البلدان التي اعدمت اكبر عدد من النساء حيث بلغت 17 امرأة خلال الاعوام العشر الاخيرة، اي بمعدل 2.5% من حجم الاعدامات للنساء، والتي سبقت فيها العربية السعودية .

يبقى سؤالنا الأخير الموجه الى قناة الشرقية هو لمصلحة من تم اعداد هذه الحلقة؟ واية رسالة حمل الى المجتمع؟

أن قناة الشرقية قناة مرئية على نطاق واسع، والرسالة التي يحملها هذا البرنامج بقصد أو بدون قصد هو تصعيد مشاعر العداء ضد النساء، واتهامهن بالوحشية والقساوة، في أوضاع حالية تتعرض فيها النساء أساسا الى القتل والاحكام بالسجن وبشكل جائر،ناهيك عن العنف اليومي المنظم ضدها، والمسنود من الدولة والقانون. أن هذا البرنامج ومحتواه يسكب المزيد من الزيت على نار المشاعر المعادية للنساء. فالنساء متهمات غالبا ، وهن دائما الضحايا حتى حين ترتكب الجرائم ضدهن. فالتحرش بالنساء سببه النساء، والعنف الممارس ضد النساء دعته ضرورة تأديب النساء. وهذه الحلقة من البرنامج، تصب بهذا الاتجاه.

ان واقع النساء المحكومات بالاعدام يدمي القلب، وكان على السيد الخالدي ان يبحث في عدالة ومجرى تلك المحاكمات، وفي حقانية القوانين ومدى عدالتها، والبؤس الذي تعيشه النساء اللواتي ارتكبن جرائمهن، ونؤكد للسيد الخالدي، ومن خلفه من معدي البرنامج ، ان هنالك الكثيرات يحلمن بطرق الخلاص من بعض الرجال في أسرهن. خاصة مع عدم وجود قانون يجرم العنف الأسري، ولا توجد مؤسسات توفر الحماية للمرأة في حال تعرضها للعنف، بل دائما ما يجري لوم الضحية ،وانها السبب في تلقيها للعنف بالمقام الأول، بل أن القانون يقر وينص على حق الرجل في ” تأديبها” بغض النظر عن مدى تحليه باية آداب أساسا!

يجب القضاء على الارضية التي تدفع النساء للقتل، حتى نحضى بمجتمع آمن وسليم. ونؤكد، أن عقوبة الاعدام، لم تردع اية امرأة، حين تعدم كل السبل، من ان تقوم بحكم جزعها وانعدام السبل امامها، الى القتل، دفاعا عن النفس، ضد العنف وضد الاغتصاب.

في الختام، نضم صوتنا الى كل الأصوات الداعية الى إلغاء عقوبة الاعدام، للنساء وللرجال على السواء. على القانون ان يوفر الحماية والأمان للنساء، وان يقر قانون يجرم العنف المرتكب بحق النساء في المقام الأول، وان يوفر الفرص الاقتصادية التي لا تضطر النساء للعيش مع رجل يعرضها للعنف كل يوم، لان لا فرص لديها للخروج من اوضاعها الظالمة، يجب ان يفرض التعليم الالزامي على الاقل للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة على الاسر لتعليم بناتهن. يجب ان تقوم الدولة بجملة سياسات وبرامج قبل ان توجه عقوبة الإعدام لامرأة.

الجمعية العامة لتنمية المرأة

تحالف امان النسوي

3 حزيران 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى