
نزيف صامت: تصاعد جرائم قتل النساء في العراق وسط صمت القانون والمجتمع
المحامية وسن الدليمي
في كل فترة، تصدح وسائل الإعلام العراقية ومنصات التواصل الاجتماعي بخبر جديد عن جريمة قتل ضحيتها امرأة عراقية. أسماء جديدة تُضاف إلى قائمة ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، وسط حالة من الغضب الشعبي، يليها صمت طويل، حتى تأتي الضحية التالية. تتعدد الأسباب والروايات، لكن النتيجة واحدة: امرأة تُقتل، وقاتل غالبًا ما يُبرَّر له أو يفلت من العقاب، في ظل ضعف القوانين وتراخي السلطات، وتواطؤ مجتمعي يرفض مواجهة الجذور الحقيقية لهذه الجرائم.
واقع مؤلم بالأرقام
تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن العراق يشهد سنويًا مئات حالات العنف ضد النساء، بعضها يصل إلى القتل. ومع غياب إحصائيات رسمية دقيقة ومحدثة، يبقى حجم المشكلة أكبر مما يُعلن عنه. وغالبًا ما تُدرج هذه الجرائم تحت مسميات مثل “القتل بدافع الشرف”، أو “الخلافات العائلية”، مما يُفرغ الجريمة من بعدها الجنائي والإنساني، ويمنح غطاءً ثقافيًا واجتماعيًا للقتلة.
ثقافة العنف وتبرير الجريمة
في كثير من الحالات، لا تُعامل جرائم قتل النساء كجرائم جنائية كاملة، بل تُناقش في سياق الأعراف والتقاليد، حيث يُستخدم الشرف كذريعة للقتل، ويُمنح القاتل نوعًا من الشرعية الاجتماعية. هذه الثقافة تُسهم في ترسيخ العنف ضد المرأة كممارسة “مبررة” في بعض الأوساط، خاصة مع وجود قوانين تسمح بتخفيف العقوبة في حال ارتكاب الجريمة بدافع “الشرف”، وهو مصطلح فضفاض يُستخدم للهروب من العدالة.
قصور القانون وتحديات المحاسبة
لا يزال العراق يفتقر إلى قانون شامل لحماية المرأة من العنف الأسري. كما أن بعض مواد قانون العقوبات العراقي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وتحتوي على ثغرات قانونية تسمح للمجرمين بالإفلات من العقاب أو التمتع بأحكام مخففة. ومع غياب الإرادة السياسية الجادة لتعديل هذه القوانين، تبقى المرأة الحلقة الأضعف في معادلة العدالة.
دور الإعلام ومنصات التواصل
رغم أن الإعلام ومنصات التواصل قد ساهمت في تسليط الضوء على هذه القضايا، إلا أن هذا التفاعل يبقى موسميًا، سرعان ما يخفت بعد أيام قليلة. لا تزال أغلب التغطيات تفتقر إلى العمق والتحقيق، وغالبًا ما يُعاد تدوير الأخبار دون تحليل اجتماعي أو قانوني يُسهم في فهم الظاهرة أو اقتراح حلول واقعية.
الحل: مسؤولية مشتركة
التصدي لجرائم قتل النساء في العراق يتطلب تحركًا متعدد المستويات، يبدأ من:
• إصلاح القوانين وسن تشريعات تحمي المرأة بوضوح وتُغلظ العقوبات على مرتكبي العنف.
• رفع الوعي المجتمعي بأهمية احترام حقوق النساء، وتفكيك مبررات “الشرف” التي تُستخدم كغطاء للقتل.
• تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا ليكن قادرات على حماية أنفسهن والابتعاد عن البيئات العنيفة.
• دور الإعلام كسلطة رابعة في تبني قضايا النساء بعيدًا عن الإثارة الصحفية، والتركيز على التغيير.
كل جريمة تُرتكب ضد امرأة في العراق ليست حدثًا فرديًا، بل جزء من منظومة كاملة تحتاج إلى مراجعة شاملة. فاستمرار قتل النساء بهذا الشكل الممنهج، دون محاسبة حقيقية، يعني أن المجتمع بأكمله متورط، بصمته أو بتقاعسه. حان الوقت لكسر هذا الصمت، قبل أن تُزهق أرواحٌ أخرى، وتُضاف أسماء جديدة إلى قائمة الضحايا المنسيات.