العنف الطبي على أجساد النساء
جوان ميرزا
الذي جعلني أتوجه لكتابة هذه المقالة، عدة أسباب في مقدمتها، كوني
طبيبة والأمر الآخر كوني امرأة ولدت ونشأت في مجتمع شرقي ذي عادات وموروثات بطريركية ذكورية. تمارس السلطة والهيمنة والعنف ضد المرأة، والتسلط والتحكم بجسدها بكل انواع الاستبداد، هذه الهيمنة نراها علي اجساد النساء بشتى الوسائل والطرق. نراها في علاقاتها الاجتماعية في قراراتها في الزواج او الطلاق او الانجاب ،في العمل بالمساومة على جسدها مقابل الحصول على الوظيفة او التدرج الوظيفي، نراها في الشارع، أو في أي مكان آخر يُمارس ضدها التسلط والتحكم وفقا لمعايير ومقاييس ذكورية. الرقابة عليها في خطواتها في الحركة والمشي وملبسها ونوعية ولون القماش الذي يغطيها، حتى تقاسيم وتعابير وجهها وحركة عينيها ونظراتها، حتى الحقيبة التي في يداها، كل هذه تحت سلطة الرقابة المجتمعية الذكورية .
العنف الطبي يُمارس على اجساد النساء بأشكال مختلفة، في المؤسسات الصحية التي من المفروض ان تكون مؤسسات خدمية لأجل حماية جسد الانسان من الألم، ومعاناة التوعك الصحي. أحد أشكال العنف الطبي الذي يُمارس على اجساد النساء هي العمليات القيصرية، والتي هي حسب تقارير منظمة الصحة العالمية بأن الضرورة لإجراء الولادات القيصرية لا تتجاوز اكثر من 15% من الولادات لكن هناك دراسات واحصائيات كشفت، إن نسبه العمليات القيصرية تتجاوز إلى اكثر من 60% من الولادات في المستشفيات الخاصة وحوالي 40% من الولادات في المستشفيات العامة. هذه الولادات حسب تقارير منظمة الصحة العالمية غالباً يكون ليس لها مبرر طبي حيث يقرر الطبيب اجراء العملية القيصرية لسببين الاول الربح المادي حيث ان تكاليف العمليات القيصرية هي اضعاف الولادة الطبيعية، والسبب الثاني لتأمين المزيد من الوقت، حيث يوفر الطبيب وقتاً اضافياً من كل عملية قيصرية، لكي يأخذ عدد اكبر من المرضى في عياداته الخاصة.
شكل آخر من العنف الطبي كشف العذرية حيث تخضع النساء للوصاية الأبوية من المجتمع على اجسادهن بشكل مهين، ويتم ترسيخ هذه الوصاية والهيمنة الأبوية عليهن بإخضاع النساء لهذه الممارسات المهينة على يد الاطباء حيث يستخدم الاطباء خبرتهم لدعم هذه الوصاية على اجساد النساء لأجل الربح وكسب الشهرة وتلبية رغبات ذكور العائلة ومعظم الاحيان تتم هذه الانتهاكات اللامبرر لها علميا وطبيا دون اخذ موافقة النساء.
تقول منظمة الصحة العالمية WHO في تقريرها لأكتوبر لعام 2018 إن لا أساساً علمياً أو طبياً لـ”اختبار العذرية”، لافتةً إلى أنه “لا يوجد فحصٌ يمكن أن يثبت أن فتياتٍ أو نساءَ كن يمارسن الجنس من قبل”.
تعتبر المنظمةُ أن اختبارَ “العذرية” ينتهك حقوقَ الإنسان والمرأة الأساسية، وينزع منها حقَّ التمتع بصحتها دون أضرارٍ جسديةٍ ونفسية، لما يحمله الاختبارُ من “ألم وإهانة، وصدمة لها”، واعتبرت المنظمةُ أنه “من غير الأخلاقي أن يقومَ الطبيب أو من ينوبه بإجراءَ اختبار العذرية، وحتى في حالات التعرض للاغتصاب حيث ان اختبارَ العذرية” بالرغم من شأنه ممكن مُساعدةُ الفتيات المغتصبات للحصول على “توثيقٍ” للحادثة، لكن المنظمةَ لفتت في تقريرها إلى أن قيامَ الاختبار على هؤلاء الفتيات، يضاعفُ آلامَهن، ويدفعهن لاسترجاع مشهدِ الاغتصاب من جديد، ما يؤدي إلى “إعادةِ الصدمة وإعادة الإيذاء”، مُحذرةً من إجرائه على أية حال واللجوء الى طرق اخرى لإثبات واقعة جريمة الاغتصاب.
جسد المرأة ليست ملكها؛ حتى في وعكتها الصحية عندما تذهب النساء الى الاطباء، فالطبيب لا يتكلم معها ويهملها تماما ويخاطب الزوج او الاب او الاخ الابن الذي في صحبتها، أي المخاطبة والحديث يكون مع الذكور ممن هم في رفقة المريضة وهم الذين يقررون نوع وكمية وكيفية العلاج اما المريضة لأنها امرأة ليس لها رأي ولا قرار. هذه في الحالات العادية أما في العيادات النسائية المرأة هي وحدها من تتحمل آثار وسائل منع الانجاب من حبوب او كبسولة تحت الجلد او حقن في العضلة مرة كل ثلاث اشهر او لولب داخل الرحم، وكل هذه الوسائل من موانع الحمل قد يناسب امرأة ولا يناسب اخرى، وقد يسبب مضاعفات جانبية عليها، من خلل في انزيمات الكبد وزياده الوزن وحصول تجلطات في الاوردة والشرايين، وهناك ابحاث تشير بأن موانع الحمل قد يكون لها علاقة بالسرطانات كسرطان الثدي والرحم او المبايض. جسد المرأة يتحمل مسؤولية الانجاب والولادة وكذلك نفس الجسد يتحمل مسؤولية عدم الانجاب حيث تخضع لاختبار وسائل الانجاب الى ان تجد وسيلة مناسبة لها ولجسدها. إن كانت لا تناسبهم هذه الاختبارات عليها ان تجرب وتختبر كل الوسائل بكل مضاعفاتها وغالبا ما يكون الرجل بعيدا عن كل هذه المشقات ومسؤولية موانع الحمل.
الرجل عليه المشاركة في مسؤولية منع الحمل وذلك باستعمال واقي ذكري كوندوم وغالبا معظم الرجال يرفضون ذلك ظناً منهم إنه يقلل المتعة السريرية، وهذا اعتقاد خاطئ تماما، وممكن ايضا أن يعمل الرجل عملية فاسو كتومي اي ربط قناة الحيامن وهذا شائع جدا في بلدان اوروبا وامريكا وهي طريقة آمنة جدا للرجال كوسيلة منع حمل نهائي وهذه الطريقة لا تؤثر على حياتهم الجنسية اطلاقا، ولكن للأسف لقلة الثقافة الصحية والصحة الجنسية، الرجل العربي لا يقبل النقاش في هذا الموضوع نهائيا وهو مرفوض عنده تماما وكأن الذكورة والرجولة مرتبطة بقناة الحيامن وهذا من خلال تجربتي وأثناء عملي لاحظت ذلك.
ما أريد الإشارة إليه هنا، هو من حق النساء الخيار والقرار بالإنجاب او الامتناع عنه لا سلطة لأحد على اجساد النساء غير انفسهن .
حق الاجهاض وحق الامتناع عن الانجاب هو حق من حقوق المرأة ولا مساومة عليه، المرأة هي صاحبة القرار الأول والأخير على جسدها، هي التي تتحمل أشهر ومشاق الحمل ومضاعفاته وآلام الولادة وكذلك ألم الاجهاض و معاناة فترة الرضاعة الليلة وصبر الأمومة، وهي الوحيدة التي لها الكلمة الأخيرة في الانجاب او الامتناع عنه. السلطة على أجساد النساء مرفوضة تحت أي مسميات سواءً أكانت دينية أو عرفية او مجتمعية. عرض أقل