هل يحطم دعاة الجندر الاسرة وهل يدعون الى المثلية؟
نادية محمود
أطلقت في الآونة الأخيرة حملة واسعة لإدانة مفهوم الجندر. وجرى تفسير هذا المفهوم على انه سبب لتدمير قيم الاسرة، وانه يدعو للمثلية. هذه الادعاءات خالية تماما من الصحة، ولا تمت للحقيقة بأية صلة.
من الواضح كل حكومات ما بعد 2003، والتي تتكون من الأحزاب الإسلامية ذاتها استقبلت مصطلح الجندر دون اعتراض وفهمته بانه يقصد منح حقوقا للنساء، وتمكين النساء. وقعت هذه الحكومات العديد من الاتفاقيات، وكتبت العديد من الاستراتيجيات، ووضعت خطط وطنية لسنوات، وفي متن هذه الاتفاقيات والاستراتيجيات محور يؤكد على الجندر أي: إعطاء المرأة حقوقها، وتمكينها اقتصاديا وسياسيا (عبر إعطاء الكوتا في البرلمان). تشكلت وزارة للمرأة، ثم تشكلت مديرية لتمكين المرأة، وتأسست فروع في كل الدوائر الحكومية لتمكين المرأة، من اجل- او هكذا يفترض- من اجل القضاء على الفوارق في الحقوق بين النساء والرجال. الحكومة تعلم ماذا يعني الجندر، الأحزاب السياسية تعلم بذلك، المنظمات النسوية تعلم بذلك، المراجع الدينية، وهذا المفهوم لم يكن غائبا عن أحد
الا أن تقوم في شهر تموز حملة من قبل نفس الأحزاب، وبشكل فجائي ضد الجندر واعتباره “يحطم الاسرة، ويدمر القيم، ويدفع بالمجتمع نحو الانهيار؟ امر يحتاج الى التوقف الجدي والجاد عنده.
ولكن لنتمعن بمن وما الذي يحطم الاسرة؟
الاسرة التي يسود فيها العنف، والتي يقر فيها إعطاء الرجل حق تأديب المرأة، هو ما سيحطم الاسرة. ليست هنالك علاقة زوجية سليمة قائمة على ممارسة العنف. الذي يحطم الاسرة هو تزويج القاصرات من الطفلات، وادخالهن الى أوضاع يتعرضن فيه للاغتصاب الجنسي باسم الزواج، هو ما يحطم الاسرة. حين يكون للرجل دخل شهري وراتب، والمرأة سجينة البيت تعمل من الصباح الباكر في العمل المنزلي والرعائي دون ان يكون لعملها أي قيمة او اعتبار، ودون ان تسمع كلمة شكرا، او عاشت يداك، بل تعامل بالعنف بمختلف اشكاله، هذا ما يحطم الاسرة. حين لا يكون هنالك قانون بإمكان المرأة مسلوبة الحقوق تستجير به وينصفها ويحقق لها العدالة، هو ما سيحطم الاسرة. حين يعطى للرجل حق الزواج بأكثر من زوجة واحدة، ما عساه ان يكون شعور الزوجة الأولى والثانية والثالثة، وهن يتنافسن على رجل واحد؟ هذا ما يحطم الاسرة. حين تقتل اخت من قبل اخوانها، حتى يستأثروا بالميراث، ويعلنون انهم قتلوها حماية لشرف العائلة، هو ما سيحطم الاسرة. حين يقبل القانون بخدعة ” شرف الاسرة”، ويغض النظر عن المجرمين قتلة النساء، هذا ما سيحطم الاسرة. حين يقتل الأطفال من قبل ابائهم او زوجات ابائهم، مثل الطفل موسى والعشرات مثله، تتحطم العائلة.
قوانين الدولة في العراق قائمة على أساس منح الامتيازات للرجال على حساب النساء. وفي ظل هذه القوانين: نسبة الطلاق عالية حيث تسجيل في الدقيقة الواحدة 8 حالات طلاق. وبلغت نسب الطلاق في عام 2022 فقط أكثر من 37 الف حالة طلاق. نسبة العنف بازدياد، قتل النساء بازدياد. مع تعدد الزوجات، الان الرجل يقتل كلا زوجتيه وليس زوجة واحدة. المرأة لا تستطيع ان تذهب لزيارة عائلتها بدون أذن من الزوج، وكأنها سجينة المنزل، وتحتاج الى ترخيص للخروج منه. العائلة محطمة الان في ظل القوانين السائدة.
من يحطم الاسرة هم ليسوا دعاة الجندر، المطالبين بإنهاء العنف، والمطالبين بفرص عمل للنساء، والمطالبين والمطالبات بفرص متكافئة لكلا الجنسين، ليس هؤلاء من يحطم الاسرة. بل المعنفين، والمضطهدين، والذين يمارسون القوة والقتل وسرقة جهود النساء هؤلاء هم من يحطم الاسرة.
العدالة الجندرية والمساواة بين الجنسين لن تؤدي الى تحطيم الاسرة. فالذي يتحطم هو ممارسة القوة ضد المرأة. الذي يتحطم هو تفوق انسان على شريكه الانسان. الذي سيتحطم هو علاقة العنف والتسلط والهيمنة والتفوق للرجل. الذي سيتحطم هو تبعية المرأة للرجل وخضوعها له. الذي يتحطم هو المكان الدوني للمرأة، عبوديتها، واذلالها. هذا هو ما سيتحطم، ليحل محله علاقة قائمة على أساس المساواة، متوازنة وعادلة ومنصفة لكلا الطرفين من الزوجين.
إذا كان لدى الحكومة او أحزابها إعادة نظر بمسالة الجندر، او انهم تراجعوا عنها لاي سبب من الأسباب، بالنسبة لنا نحن النسويات، ليست لدينا إعادة نظر بالمصطلح ولا بالمفهوم ولا بالمطلب. نحن ندعو ونطالب ان يسود ألاسرة قيم إنسانية، عادلة، ومتساوية بين الأزواج، بين الرجال والنساء. على أساس الاحترام بين البشر، على أساس ان يكف الرجال أيديهم عن النساء والأطفال الأضعف منهم جسديا.
لم نفهم الجندر خطأ ابتداءاَ. اننا نعرف ما يعني وسنواصل العمل على إعادة التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة من اجل ان تكون علاقة متكافئة وقائمة على أساس المساواة.
هل دعاة الجندر يدعون الى المثلية؟
احدى المسائل التي يدعي بها المناهضون لمفهوم الجندر هي ان دعاة الجندر يدعون الى المثلية. مرة أخرى، كلام خاطئ ولا صلة له بالحقيقة. لا يمكن الدعوة الى المثلية كما لا يمكن دعوة الناس لان يكونوا سود البشرة او حمر البشرة او بيض البشرة. لأنهم يولدون كذلك. الأسود يولد اسود، والاحمر يولد احمر والأبيض يولد ابيض، والمثلي يولد مثلي. لو دعونا من المساء حتى الصباح ان يتحول الأسود الى ابيض او الأبيض الى اسود، لن يستجاب لدعائنا. وإذا استخدمنا كل وسائل التواصل الاجتماعي والرسمي الناس ليتحول المغايرين الى مثليين، لن يحدث ذلك. لان الناس تولد وهي تحمل في جيناتها لون بشرتها، ولون عينها، ولون شعرها، وطبيعتها الجنسية كذلك. الامر كذلك بالنسبة للمثليين، نحن لا ندعو للمثلية. إذا عجبنا الأسود او لم يعجبنا، إذا عجبنا الأبيض او لم يعجبنا، وإذا عجبنا المثلي او لم يعجبنا، البشر يولدون بهذه الخصائص. لون جلد الانسان، ليس قميصا يختاره، وليس اخلاق يختارها مثل الكرم او البخل، الصدق او الكذب، الطيبة والشر. المسالة ليس لها علاقة بخيارات الانسان. المثلية ليست خيارا، بل جينات تلد مع الانسان، لا حكم للإنسان عليها، ولا دور له فيها. كما لا يمكن ان يتحكم الانسان بطول قامته او قصرها.
ان لم نفهم هذه الحقيقة العلمية، يعني ذلك، اننا لا نريد ان نفهم. والحال اننا اما ان نقبل العلم او نرفضه. لا يمكن لنا قبول إنجازات العلم الذي مكننا من استخدام التكنولوجيا، واللابتوب، والموبايل، والنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي كلها نتاجات علمية، ونرفض حقيقة الجينات التي يلد عليها الانسان، لأنها لا تتوافق مع عقيدتنا. ليس بوسعنا ان نكون انتقائيين. هذا ما يقوله علم البايولوجيا. والا سيكون حالنا حال بعض القبائل الافريقية التي تقتل البشر ذوي البشرة الصهباء او حمر الشعر، لأنهم يعتقدون انهم مسكونين بالشياطين ويجب قتلهم.