خلعت حجابي ولم اقتل
منال حميد غانم
ارتديت العباءة العراقية بعمر السابعة حبا بها وتقليدا لأمي واختي الكبيرة , واجبرت عليها في سن التاسعة عندما حرض الجيران من الرجال اخي الاكبر على جبري لأرتدائها موضحين له ان جسمي قد بأ يكبر ومن الصعب ان اظهر في الشارع بدونها , انا التي انسحبت من اللعب مع فتيات الزقاق متأخرة عن قريناتي . وبدأت ارتديها بدون غطاء الرأس الى ان قرر الاسلام السياسي في ال2005 اكراهي واكراه الفتيات الاخريات عليه عندما كانت ترفض المعلمة ادخالنا للصف وتثمن عمل الفتيات الحوزويات او بنات رجال الدين واظهارهن بمظهر الافضل والاكثر اخلاقا ودينا وطاعة لربهن بل وتمييزهن علينا طوال الوقت لأنهن يرتدين الحجاب . ثم تحولت ظاهرة لبس العباءة بدون الحجاب غريبة ومستهجنة فأصبح جميع الفتيات يرتدينها.
لم اعرف ان الجمال كان مرفوضا كنت احسبها القوانين او التعليمات في ادارة المدارس هي التي ترفض ان نسدل شعرنا او نجمله بتسريحات مختلفة او صبغه او قصه, لم احسبها اسلمة ناعمة فكانت المدرسة هي المتنفس الوحيد الذي نعبر فيه عن اهتمامنا بجمالنا امام الاخريات بشكل يومي ومع ذلك كنا مجبريبن ان نربطه ولا نهتم به كثيرا في المدرسة . لم يكن شعري ولفترة ليست قصيرة هو الاهم لدي, ولا مروري على اي مرآة عابرة يثير فضولي فماذا سأرى ؟ هي محض أنا لكن مخبأة تحت طيات قماش عديدة من اللبس الواسع مرورا بالحجاب والجوراب وانتهاءا بالعباءة . في بادىء الامر كنت اخطأ والمس حجابي كتعبيرا عن توتري والذي بالعادة اعبر عنه بأرجاع شعري خلف اذني وبعدها تعودت ان انساه .
كنت اختار نظارات طبية للحجاب وبدونه ,وماكياج مع الحجاب او بدونه, ولا اعرف كيف يكون شعور احداهن عندما تركض وشعرها يتطاير والحقيقة انا لا اعرف حتى شعور انسان ما وهو يركض فأنا والاخريات غيري يجب ان يمشين وفق ماهو متوقع منهن من قبل الناس وهي المشية الرزينة المتوسطة السرعة فكل حركة من الارجل قادرة ان تفسر توجهي ونواياي فبخفة حركتي سأكون مسترجلة وببطئها فأنا متمايعة احاول جذب احدهم لي .
عندما قررت ان اخلع حجابي لأول مرة حملت العديد من اغطية الرأس في حقيبة السفر لأنني كنت اعتقد انني سأغير قراري وسأخاف ولن اغادر غرفة الفندق فأنا لا استطيع ان اقابل ضيوفا بدونه فكيف سأتجول في الشارع وهو يقبع في جنطة السفر محبوس وانا حرة طليقة ؟ كيف سنتبادل الادوار ؟
لكن بمجرد تغيير المجتمع انتهى الخوف ولا اذكر سوى حركتي السريعة بعد نزولي من المطار وافراغ حقائبي في الغرفة لكي استبدل ملابسي واسدل شعري على عجالة لأخرج, وتوقفت امام المرآة القريبة من الباب واخذت نفسا عميقا وقلت لنفسي ( هذا أنا ) . وظل وجود المرآة في اي مكان هو لقاء لذيذ بين عيني وشعري. وتأكيد متكرر لوجودي فانا وجدت (نفسي) بلا اغطية .
تطاير شعري مع عذوبة وبرودة جو شهر ديسمبر , شعرت بثقة بنفسي وبحقيقتي وحبي لذاتي ولم يثنيني قول احداهن انني بدون الحجاب قبيحة وانه يضيف لي مسحة جمال انا بحاجتها. فالمهم لدي ليس الجمال بل حقي بأني ارتدي واخلع مااريد دون خوف . ولأنني كنت في مكان فيه حرية نسبية للنساء لم اكن حلوى مكشوفة ولا بطيخة تباع في قارعة الطريق وهي مفتوحة فلن يشتريها احد ولم اكن برتقالة بلا قشور فلن يأكلها احد كنت( أنا )فحسب . دون مساواتي مع فاكهة او جمادات ….انا بشر. ووجودي خارج حصن مجتمعي وانا بلا حجاب هو ما ساهم بعدم قتلي او رفضي .
كنت مواربة في قراري هذا وجعلته مرهون بالبقعة الجغرافية التي اتواجد فيها , فالمكان الذي لا اتعرض فيه للنبذ او الاعتداء او الخوف او الاقصاء او التحرش ارمي على اعتابه غطاء رأسي واعيش كما أنا .
الحجاب هو رمزية الاسلام السياسي اينما حل , فعندما تغير النظام السياسي في تركيا الى الحداثة والعلمانية بعد قرون من تربع الدين على عرش التحكم بأجساد النساء وشعرهن منع اتاتورك الحجاب بشكل رسمي. وكذلك فعلت ايران بعد الثورة حيث عملت على الباس النساء الحجاب بالقوة لكي تنبه العالم ان النظام الذي يحكم الان هو اسلامي صرف . وهذا مايفعله النظام في العراق لكن بطريقة غير رسمية . ولكن حركة النساء ولو كانت بطيئة في الرفض لكن بدأت تقوى يوم عن يوم, فما نشاهده من تحوير في لبس الحجاب او تخصير للعباءة او ارتداء لبس متناقض يجمع بين الحجاب وبين اللبس القصير او الضيق ماهو الا رسالة ضمنية للجميع مفادها ان الحجاب مرفوض وسيتغير اليوم او غدا . يجب ان تعلم الانظمة ومنها نظامنا ان النساء لايشكلن ادوات مطواعة بأيديهم لأيصال رسائل ما . فوظائف الدولة عديدة ليس من ضمنها تغطية شعرالنساء او كشفه.