حين يحاربون – الشواذ
إشراق سليم
2023 / 8 / 19
في مفارقة غريبة صارت المثلية -التي هي منحى ذكوري واضح في المجتمعات العربية والمسلمة – , تهمة تتهم بها النساء الساعيات لاحقاق العدالة والمساواة في الفرص والحقوق والواجبات في مجتمعاتهن التي تقصيهن أيما اقصاء ، فاتمهمت النسويات والمنظمات النسائية بالدعوى الى المثلية او “الشذوذ “، لانهن يتحدثن بمصطلح الجندر ، بمعنى الأدوار الإجتماعية للذكر والانثى ، ومع كل الايضاحات التي ساقتها النساء بهذا الشأن الاان الذين شنوا هذه التهم ضدهن لايريدون ان يقتنعوا الا ان الجندر هو الدعوة للمثلية والعبور الجنسي والانساني الى الحيواني تطبيقا للمثل 🙁 عنزة ولو طارت ) ، وأن هذا المصطلح الا وسيلة ناعمة لخرق المجتمع العربي المسلم المحافظ الطاهر .
ومع اشتداد الصراع والتعنت الذي يظهره الطرف المهاجم ، وتفاجؤ الطرف الاخر الذي كان يتحدث بهذا المصطلح منذ عشرين عاما ، وجدنا أن الامروصل الى ان تمنع كل المصطلحات الأخرى التي يمكنها ان تدعم المرأة في حياتها العامة والخاصة ، فصار مصطلح تمكين المرأة له دلالة على ان المرأة اذا تمكنت اقتصاديا صارت تطالب بالقوامة على الرجل ، وبالتالي تنهار الاسرة وتتحول العلاقات الجنسية الى علاقات جنسية مثلية ، في مغالطة منطقية تسمى المنحدر الزلق ،فبتفسيرهم : أن الرجل لايرضى بقوامة المرأة ، التي سوف تتحول الى أنثى مسترجلة . هذا القول هو ماسمعته من احد الشيوخ الذين يحذرون من استخدام مصطلح الجندر الذي صار مصطلحا شيطانا ممسوسا ، فكل من ينطق به سيمسه الجن او الشيطان او العفاريت ،وتحوله الى كائن مثلي وشاذ ، ولذا يجب التعوذ من هذا المصطلح المخيف الذي لانعلم كيف تم دسه في مجتمعاتنا البريئة ، وكيف تلوث عسلنا الرقراق وصار سما زعافا؟.
لو عدنا الى مجتمعنا النقي ، الطاهر ، الذي لاتأتيه المثلية من بين يديه ولا من خلفه واطلعنا على تاريخه الجنسي الشاذ ، -فمن يغتصب الاطفال هو شاذ حتما بالاضافة الى كونه مجرما – نرى تاريخا حافلا بهذا الشذوذ المخفي والمعلن ، ونكاد نجده يتوطن عند من يعلن في كل حين محاربته” للشواذ ” بالمعنى الذي يستخدمونه لمن لديه ميولا جنسية مثلية قسرية ولدت معه وليس بالضرورة شخصا مغتصِبا.
فليس غريبا ان نجد من هو مثلي ، يظهر حربا لاهوادة فيها ضد المثليين .وهذه الحالة نجدها ايضا عند بعض النساء الذكوريات اللواتي يحاربن بنات جنسهن ويعِدن آليات القمع التي مورست ضدهن ، فهذه حالات نفسية مدروسة يتقمص فيه الشخص شخصية عدوه ، وربما اقتربت هذه الحالة من عقدة استوكهولم .
كيف لرجال دين اتهموا في اغتصاب الاطفال في دور العبادة والمساجد ان يكونوا اكثر حرصا من النساء في الحفاظ على الأسرة وتماسكها والحفاظ على سلامة الأطفال ( أولادهن )؟ ، وكيف لرجال يمارسون الاغتصاب- تحت اي اسم كان -ان يكونوا اكثر حرصا من الأمهات !
بنقرة زر واحدة في محرك البحث ( كوكل ) للبحث عن حالات اغتصاب الاطفال من قبل شيوخ دين في مساجد المسلمين ، في البلدان المختلفة ، سنجد قائمة طويلة لهذه الانتهاكات ، في مختلف البلدان الاسلامية وغيرها ،مثل تونس ومصر والكويت وغيرها من الدول ، التي وصلت مثل هذه الحالات للإعلام -فماخفي كان اعظم في دول تعتبر التستر على الجريمة هو ثقافة يجب ان تسود وهي عدم إشاعة الفاحشة بين الناس-وهنا في الصاق التهمة بالنساء – بسبب الكراهية المترسخة في المجتمع- ينطبق عليهم المثل ( رمتني بدائها وانسلت). وهذا الامر لايقتصر على المسلمين بل ان القساوسة المسيحيين تورطوا في هذه الأفعال الشنيعة -.
ان الحملة الشرسة التي شنت بحجة مصطلح شائع منذ سنوات طويلة ماهو الا لذر الرماد في العيون لخلق عمى اجتماعي مؤقت ، يراد منه كبح جهود النساء اللواتي بدأن يُظْهرن حركة قوية في الرفض لما موجود من عادات وتقاليد بالية ضدهن ، وبدأن يصدحن عاليا ضد انظمة تزويج القاصرات او اغتصابهن بالأحرى ، وضد العنف الأسري المستشري في مجتمعنا ، الذي يطال النساء والأطفال بشكل يخالف كل قيم الإنسانية والدينية . وكان للأسباب السياسية العامل الكبير في زج المجتمع بصراعات ثانوية وهمية ، يراد منه تمرير قضايا سياسية محلية ودولية ، لكن هذا الأمر لاينطلي على النشطاء والفاعلين الاجتماعيين المثقفين ، لكنه نال من تماسك المجتمع وهم يشقونه الى فسطاطين متصارعين من خلال ايهام العوام والبسطاء من الناس بالحرص على الهوية المهدّدة ، والخوف على الوجود المجتمعي الذي كان متماسكا ، لولا وجود نساء مرتبطات بأجندات غربية يعملن على إشاعة مصطلح مخيف اسمه “الجندر” .
ربما لايعلم الجميع ان من يحارب النساء ماهو الاذكوري يريد ان يقول ان الإنسان هو جنس واحد ، وهو الذكر ، اما الأنثى ماهي الا أداة تابعة له ، يقدم لها طعامها وشرابها- كأي حيوان ليعيش ويقدم خدماته له -، وعليها التبعية له في كل شيء . يأمرها فتطيع كما لو كانت” ربورتا” بلا مشاعر إنسانية ، وليس عليها ان تتمتع بذات مستقلة ، فهي خلقت لهذا الكائن الاسمى ( الرجل ). واللغة خير شاهد على ذلك، فاذا حضر ضمير الذكر في اللغة تختفي ضمائر الأناث ، اللغة والعرف والقوانين القارة في المجتمع تجعل الذات الذكرية هي الانسان ،والأنثى هي الموضوع ، ولذا فالمثلية بالاصل هي دعوى ذكورية حين لايجد الذكر كائنا انسانيا ندا له ، —فلا ندية بين الذكر والانثى ولامساواة بينهما في الخلقة والمكانة عندهم – ومن هنايحترم الذكر من قبل ذكر مثله ، وهو من يستحق الحب لاغيره ، وهذا بالضبط ماذكرة افلاطون في جمهوريته الفاضلة .
لم تكن المثلية مجرمة بهذا القدر الذي اظهرته الحملات الآن ، وكانت تمارس في كل المجتمعات . الذي حصل في قضية الجندر وشيطنة مصطلحه هو ان بروز المرأة المتمكنة هو الذي اثار فيهم الرعب ، ولذلك تم ربطه بمصطلح اخر هو تمكين المرأة ، وتمت محاربته أيضا . معظمهم يدركون ان الجندر لايعني المثلية ، لكنهم أرادوا ضرب قضايا المرأة والعودة بها الى الوراء ، عبر إخافة المجتمع المحافظ في هويته ، بأن الأسرة في خطر ، وان ” الشذوذ” هو من يطيح بالأسرة، وأن الغرب” الكافر “يجلس لكم بالمرصاد لتهديم أسركم السعيدة ، في ابتزاز عاطفي غير بريء ، من قيادات تريد السيطرة بتصورات قرون وسطية على المرأة وجعلها تدفع ثمن فظائع رجال الساسة في افتعال الحروب والأزمات، ولم يجلبوا إحصاء ما أو دراسة عن تأثير وجود النساء” السيء” في الحياة العامة على واقع الحياة الخاصة والعامة ، بل كله مخيال إسقاطي يراد له ان يكون حقيقة .
الجندر مصطلح ينتمي لعلم الاجتماع وهو من نتاج تطور هذا العلم ، وهو حديث ومعاصر يصف كيف يتم التعامل مع الذكور والإناث في التربية المجتمعية وكيف يُنظر للطرفين او الأطراف الأخرى ( المخنثون ) ، هو يصف الإنسان ولايفرض ميلا جنسيا معينا او هوية جنسية معينة أو يميل لبعضها دون الأخرى.
وهو مصطلح علمي يدخل في حقل الدراسات الاجتماعية والانثربولوجية وليس عرضة للتنطع وابداء وجهات نظر غير مدروسة على أسس منهجية علمية مقرة سلفا .
اذا كنا نحارب العلم بهذه الطريقة التحريضية والشعبوية ،بدلا من مناقشته في الحقل الأكاديمي البحت ، فاننا لن ننتج سوى الجهل والتخلف والحسرة، ولن يتم محاربة الشذوذ الذي هو اغتصاب الأطفال من الذكور والإناث بأشكال شتى، مقننة او غير مقننة ، وستبقى انسانيتنا محل شك واتهام ، وكذلك تديننا واعرافنا التي نريد الفخر بها كأعراف أصيلة تحترم الإنسان بماهو إنسان .