حماية النساء من العنف الاسري من قبل شيوخ العشائر!
نادية محمود
في لقاء مع أحد شيوخ العشائر قال: انه “لا يجب استخدام العنف والضرب ضد المرأة، بل يكفي ان تبصق عليها اذا اردت تأنيبها، لا يجب ان تمارس العنف ضدها”؟ جرى تقديم شيخ العشيرة على انه احد رجال شيوخ العشائر المتنورين! الذي يوفر الحماية للنساء الهاربات من العنف، وان النساء تحت حمايته يعشن بعٌز!
مع غياب الدولة ومؤسساتها، قام بعض من شيوخ العشائر بالتدخل في قضية “حماية ألنساء” المُعنٌفات المهزومات من اسرهن. ان هذا التدخل يمكن ان يكون امرا إيجابيا إذا كان وضع النساء في العشائر وتحت سلطة شيوخها هو غير ما هو عليه الان. النساء في العشائر تعاني من أقسى أنواع العنف، يجري استخدامهن لحسم الخلافات والنزاعات بين العشائر باعتبارهن ” أدوات تسوية”. لازالت ممارسات “الفصلية” أي منحهن كزوجات لرجال في العشيرة الخصم من اجل الحيلولة دون سفك الدماء، تجري باستمرار. ناهيك عن استغلالهن وخاصة في المناطق الريفية والزراعية ومعاملتهن كعبيد في مزارعهم وبيوتهم. في مثل هكذا بيئة وهكذا تقاليد وممارسات وثقافة معادية للمرأة، يظهر شيوخ العشائر فجأة بأنهم “حماة للنساء المُعنٌفات” الهاربات من منازلهن!!
لكن ما حقيقة هذه “الحماية”؟ الحقيقة هي انه يجري في ظل هذه ” الحماية” انتهاك كرامة وكيان المرأة مرة أخرى. حيث يأخذون من المرأة او الفتاة او الشابة الهاربة ليحولوها الى محظية لهم في بيوتهم، وكجزء من ما “ملكت ايمانهم”! في وضع لا تستطيع الشابة او الفتاة او المرأة، أي كان عمرها، او حالتها الاجتماعية من العودة الى اسرتها، أو اللجوء الى الشرطة، او الشرطة المجتمعية. فان عادت لأسرتها، من المتوقع انها ستقتل لأنها “انتهكت شرف العائلة”، وان لجأت الى الشرطة او الشرطة المجتمعية ستعيدها هذه بدورها بعد ان تكون قد اخذت تعهدا من اسرتها بعدم التعرض لها. تعهد ليس له اية صفة الزامية، ولا يعرض منتهكه الى اية عقوبات فيما اذا قام بخرقه. وفي الغالب تتعرض المرأة أيضا الى القتل، مثل طيبة العلي وغيرها من اللواتي قتلن دون ان يسمع بهن في وسائل الاعلام. ولا تستطيع الهاربة من العنف من الذهاب الى مدن أخرى، خوف الوقوع في ايدي عصابات الاتجار بالبشر. ففي احايين ليست قليلة تكون الفتاة او المرأة او الشابة الهاربة، قد تركت بيت المُعنّف بدون ان تأخذ معها اوراقها الثبوتية. لذلك، تصبح النساء الهاربات هدفا سهلا، منزوع القدرة على الدفاع عن النفس، و لا تملك اية خيارات سوى ان تخضع مصيرها لرحمة شيوخ العشائر.
ان هذه ليس حماية، بل عملا جبانا وقذرا واجراميا لا يختلف بإجرامه عن العنف الذي مورس ضدهن والذي ارغمهن على الهروب منه في المقام الأول. هؤلاء سلسلة من المعنفين يجب، ان يتلقوا عقوبات كاملة، حالهم حال المجرمين في الدول المتحضرة التي تعاقب المعنفين، والمتحرشين والمغتصبين جنسيا.
لقد تركت المرأة المُعنَفة في العراق سجينة بين أربعة جدران: 1- عنف العائلة،2- غياب الدولة،3- استغلال رجال العشائر، 4-عصابات الاتجار بالبشر! فهل هنالك من احكام على حياة ومصير النساء اكثر من هذا امام اعين الدولة وانظارها؟ حيث يمتلك رجال العشائر حصانة اجتماعية تباركها الدولة، وتعجز شرطتها وجيشها عن مقارعتها اليوم.
هذا هو الاحكام التام بممارسة العنف بكل اشكاله ضد النساء. عنف داخل الاسرة وعنف خارجها. نصف المجتمع يتعرض للعنف والاضطهاد فقط، لكونهن من جنس الاناث. هذا ليس صدفة، ولا عمل غير أخلاقي من قبل افراد، ولا أخطاء من قبل مرضى نفسيين، بل هو نتيجة لنظام سياسي وقانوني واجتماعي وثقافي قائم على أساس التمييز الجنسي ضد النساء، وهو يعمل بشكل متكامل ومنظم ليكمل حلقات بعضه البعض في استعباد النساء بكل ما في الكلمة من معنى.
رغم كل هذا، ليست هنالك اية مؤسسات حكومية في العراق تتحمل مسؤولياتها بتوفير الحماية لمواطناتها اللواتي يتعرضن للعنف فقط لكونهن اناث، حيث يرفض البرلمان العراقي للسنة الثانية عشر على التوالي ورغم العديد من دوراته الانتخابية، التصويت على قانون يجرم العنف الاسري. والسبب الذي يسوقه مجلس الشعب هو ان هذا القانون سيدمر الاسرة في العراق. بل ان مواد القانون 111 لسنة 1969 تعطي الحق للرجال بـ”تأديب” النساء والأطفال، وهو يشكل المرجعية القانونية للشرطة، ومؤسسات الدولة، والشرطة المجتمعية.
ان نضالنا وسعينا اليوم يرتكز على انهاء وتجريم العنف ضد النساء. لقد صارعت النساء لسنين من اجل نيلهن حق التعليم، وناضلن لسنين أخرى من اجل نيل حق العمل. ان المرحلة التي نعيش فيها اليوم هي من اجل إنهاء العنف المتعدد الاشكال ضد النساء، ليصبح الحق في الأمان، مثل حق التعلم والعمل، هي حقوق مضمونة بدون منازع. أن تأمين الأمان للنساء، وكسر الجدران الأربعة، هو مهمتنا نحن الحركة النسوية، ومهمة كل من يؤمن بان التمييز بين البشر هو عار على البشرية المتمدنة.