الاخباربيانـات

بيان المجتمع الأيزيدي في الذكرى الحادية عشرة للإبادة الجماعية بحق الأيزيديين

بيان المجتمع الأيزيدي في الذكرى الحادية عشرة للإبادة الجماعية بحق الأيزيديين
في فجر الثالث من آب/أغسطس 2014، شن تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” الإرهابي هجوما همجيا واسعا على أبناء شعبنا الأيزيدي في قضاء سنجار. خلال الأيام الأولى من الابادة ارتكب عناصر داعش أبشع المجازر بحق المدنيين الأبرياء، حيث قتلوا 1293 ايزيدياً بدم بارد، واختطفوا 6306 (أغلبهم من النساء والأطفال)، حيث تم اقتيادهم كسبايا وتعرضوا لأفظع أشكال الاستعباد الجنسي والتعذيب. لقد حصلت هذه الإبادة الجماعية بشكل ممنهج على أساس ديني وأمام أنظار العالم، الذي وقف متفرجا وتباطأ في التدخل لإنقاذنا إلا بعد فوات الأوان.
لم يكن تنظيم داعش ظاهرة عابرة أو وليدة اللحظة، بل كان طفرة سنوات متراكمة من التطرف السلفي الجهادي الإسلامي في العراق وسوريا ليصبح منظومة إرهابية دولية تشابكت أطراف عديدة في صنعها وتمويلها. فقد تدفق عشرات الآلاف من الجهاديين الأجانب من مختلف أصقاع العالم، حاملين جنسيات غربية وشرقية، عبر المطارات الدولية وتحت مرأى حكومات العالم، لينضموا إلى معسكرات داعش في سوريا والعراق ضمن شبكة تجنيد عالمية منظمة – ولا يزال العقل المدبّر لهذه الشبكة بمنأى عن العقاب.
مرت أحدى عشرة عاماً على تلك الإبادة الشنيعة، ولا تزال آثارها شاخصة في كل مكان. ما زال الدمار يخيم على مناطقنا في سنجار، والبنية التحتية مدمرة بشكل شبه كامل. ورغم تحرير المنطقة منذ سنوات، فإن الإهمال والتهميش يلاحقان أبناءنا في كل منعطف رغم إقرار البرلمان العراقي عام 2016 بان قضاء سنجار منطقة منكوبة. ما زال حوالي 300 ألف أيزيدي يقبعون قسرياً في مخيمات النزوح منذ عام 2014 وحتى اليوم، في الوقت الذي نرى بان الحكومة العراقية وبعض المنظمات والهيئات الدولية اعادوا الالاف من عوائل داعش الإرهابي. أما من عاد إلى دياره من الأيزيديين وجد نفسه محروما من حقوقه المشروعة بشكل متعمد رغم كل هذا لا يزال مجتمعنا يتعرض لخطابات الكراهية والتحريض وتكفيرنا بحجج واهية دون محاسبة.
إن لحظة انهيار دفاعات سنجار يوم الثالث من آب 2014 ستبقى لحظة خيانة كبرى في الذاكرة الأيزيدية. فقد انسحبت القوات الأمنية المسؤولة عن حماية امن سنجار ومناطق الايزيدية من)البيشمركة والقوات الأمنية العراقية(بشكل مفاجئ ومن دون قتال، تاركة المدنيين الأيزيديين العزل في مواجهة وحشية داعش. هذا الانسحاب غير المبرر ساهم بشكل مباشر في وقوع الإبادة الجماعية، حيث تركت سنجار مكشوفة تماما أمام الجهاديين. وحتى يومنا هذا، لم يفتح أي تحقيق شفاف في أسباب هذا التقصير الكارثي، ولم يحاسب أي مسؤول عما جرى. استمرار هذا الإفلات من العقاب أمر لا يمكن قبوله إطلاقًا، فهو لا يمثل مجرد تهاون بحق الماضي، بل يطرح تساؤلات خطيرة حول جدّية الجهات المعنية في تحقيق العدالة ومنع تكرار الفظائع.
ليس ذلك فحسب، بل إن الكثير من مرتكبي جرائم داعش ومن تواطؤ معهم ما زالوا أحرارا طلقاء يتجولون بيننا بما فيهم من سكان سنجار وأطرافها. وبعض الوجوه الإجرامية التي شاركت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الإبادة قد غيرت هيئتها وحلقت لحاها وارتدت البدلات الرسمية، لتظهر على المنابر وتعتلي المناصب دون خجل.
والأنكى من ذلك أن السلطات العراقية تذهب باتجاه التسامح مع الجناة بدل معاقبتهم. ففي مطلع هذا العام (2025) تم تمرير قانون عفو عام مثير للجدل، أتاح إطلاق سراح آلاف السجناء، بما في ذلك مدانين بالانتماء لتنظيم داعش أو متهمين بجرائم إرهابية. لقد خرج حتى الآن أكثر من 2,500 سجين بموجب هذا القانون، بعدما تم تعديل تعريف الانتماء للتنظيمات الإرهابية ضمن صفقات سياسية بين الأطراف الحاكمة بينما يشعر المواطن السنجاري أن هناك ايادي خفية تستغل نفوذها في الدولة من اجل زعزعة الامن والاستقرار في قضاء سنجار وذلك من خلال افتعال ازمات تصل لحد دعاوي كيدية وملاحقة الكثير من المقاومين الأيزيديين ممن كان لهم الدور الاكبر لحماية المدنيين، إضافة إلى محاولات تفكيك القوات الأيزيدية بدلاً من احتوائهم وتكريمهم.
نحن كمجتمع أيزيدي، نمثل كافة مؤسساتنا وفعالياتنا الثقافية والاجتماعية والمدنية وعشائرنا، وباسم ذوي الشهداء والناجيات، وبدعم كل المناصرين الشرفاء عبر العالم، نوحد صوتنا اليوم – بعد 11 عاما من الإبادة – لنعلن مطالبنا العادلة التي لم تلبى إلى الحكومة العراقية والمجتمع الدولي، آملين القيام بإجراءات فورية وملموسة لتحقيقها:

  • نطالب بخطوات عاجلة وجادة لإنهاء الوضع الشاذ في الإدارة والأمن والخدمات في سنجار فورا، بما يوفر حياة كريمة وآمنة لجميع أبنائه دون تمييز. وإذا عجزت الحكومة العراقية عن حل معضلة سنجار بالإمكانات الوطنية – بسبب تشابك التدخلات الإقليمية والدولية التي تشل قراراتها فعليها الاعتراف بذلك صراحة وطلب تدويل قضية سنجار والإبادة الأيزيدية. ندعو الأمم المتحدة إلى إصدار قرار أممي عبر مجلس الأمن الدولي يضمن حماية سنجار وأهلها.
  • نطالب بتأسيس صندوق دولي لإعادة اعمار سنجار من اثار الإبادة وبمشاركة عراقية ودولية بإشراف دولي، بسبب فشل صندوق اعادة اعمار سنجار وسهل نينوى. كما نطالب بإنهاء ملف النزوح من خلال توفير البيئة الامنة للعودة الطوعية لجميع النازحين وتعويضهم بشكل يحفظ لهم كرامتهم ويعيد بناء بيوتهم ومنازلهم المدمرة. كما نطالب جميع الدول التي اعترفت بالإبادة الأيزيدية بأن لا تكتفي بالتعاطف الرمزي، بل مساعدة المجتمع الأيزيدي في الخروج من محنته بكافة الاشكال سياسيا ودبلوماسيا وانسانيا.
  • لا يزال لدينا حوالي 2560 من أبناء وبنات شعبنا مفقودين منذ الإبادة. يعتقد أن عددا كبيرا منهم ما زال محتجزا في سوريا لدى فلول داعش أو في مخيمات الاعتقال هناك. نطالب الحكومة العراقية والمجتمع الدولي بالتحرك الفوري والتنسيق العاجل مع كافة الأطراف والسلطات المعنية في سوريا – سواء كانت حكومة أم سلطات أمر واقع – من أجل الكشف عن مصير جميع المختطفات والمختطفين الأيزيديين وإعادتهم إلى حضن الوطن. على ان يتم ذلك باشراك ذوي المخطوفين في اللجان المرتقبة.
  • نطالب بإبعاد قضيتنا ووجودنا عن التجاذبات والصراعات الحزبية في العراق والإقليم. لقد عانى شعبنا بما فيه الكفاية، ولا يجوز أن يُستخدم ملف الإبادة كورقة مساومة بين الأطراف المتصارعة على السلطة. يجب ضمان تمثيل سياسي وإداري عادل للمكون الأيزيدي على مستوى محافظة نينوى وكذلك ضمن مؤسسات الدولة في بغداد، بحيث يعكس حجم التضحيات والمعاناة التي تكبدها هذا المكون الأصيل.
  • نطالب بفتح تحقيق وطني ودولي شفاف حول أسباب انهيار خط الدفاع في سنجار صباح 3 آب/أغسطس 2014، ومحاسبة الجهات والأطراف التي انسحبت وتخلت عن واجبها وتركت المدنيين لمصيرهم. إن تلك الخيانة الموثقة لا يمكن أن تمر بلا مساءلة، واستمرار تجاهلها يعد استخفافا بدماء الضحايا.
  • نطالب الحكومة والبرلمان العراقي إلى دعم مساعي المجتمع الأيزيدي في تثبيت حقوقه دستوريا، من خلال إدراج مواد صريحة تكفل حماية هذا المكون وضمان عدم تكرار ما أصابه. وتشريع قانون الاعتراف الحقيقي بالابادة الجماعية الايزيدية وفق الأعراف الدولية.
  • تشكيل محكمة دولية مختصة (عراقية دولية) لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية كالابادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
  • تنتشر عشرات المقابر الجماعية في سنجار لم يتم فتحها أو فحص رفاتها بشكل كامل حتى الآن. في الوقت الذي نحيي جهود المختصين نطالب بالإسراع في فتح جميع المقابر الجماعية في سنجار بإشراف فرق متخصصة، وإنهاء هذا الملف الأليم الذي لا يزال مفتوحا منذ عام 2014. كما ندعو إلى إكمال فحوصات الـ DNA للرفات المستخرجة والمكدسة في دائرة الطب العدلي ببغداد منذ سنوات دون تأخير إضافي. لقد تم اكتشاف ما لا يقل عن 93 مقبرة جماعية تخص الأيزيديين في سنجار ومحيطها، ورغم فتح وتنقيب 68 موقعا منها من قبل دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية والمفقودين والفرق الساندة وبدعم منظمات وفرق دولية لم يعرف سوى هوية 274 شهيدا منذ عام 2019 إلى الآن. ويجب إعادة فتح ملفات الرفات التي انتشلت ودفنت دون فحوصات في السنوات الأولى عقب الإبادة من قبل حكومة إقليم كوردستان – العراق بطرق غير قانونية وغير صحيحة في عام 2015، فورا ودون أي تأخير إضافي وهم رفات مقبرة خانصور التي تضم 67 شهيدا ومقبرة البردية 24 شهيدا.
  • نطالب بوقف نهج الإفلات من العقاب نهائيا، وذلك بعدم شمول مجرمي داعش والمتواطئين معه بأي عفو عام أو خاص، تحت أي ذريعة كانت. كما يجب أن يواجه كل من تلطخت ايديه بدماء الأيزيديين العدالة عبر محاكمات عادلة أمام القانون، وألا يكون هناك أي تساهل أو صفقة سياسية تمنحهم مخرجا.
    لقد وضعنا هذه المطالب أمام الحكومة العراقية والمجتمع الدولي مراراً وتكراراً طيلة السنوات الماضية. ورغم ذلك لم يتغير واقع حالنا المرير إلا بقدر يسير جداً لا يكاد يذكر. إن مرور أحدى عشر عاماً على الإبادة الجماعية دون تحقيق العدالة الواجبة وإعادة الحقوق إلى أهلها يضع مصداقية الدولة العراقية والمنظومة الدولية على المحك. بل إنه يبعث برسالة خطيرة مفادها أن الجرائم الجماعية يمكن أن تمر بلا عقاب، مما يشجع ضمنياً على تكرار الفظائع مستقبلاً ضد شعبنا الأيزيدي او في أماكن أخرى.
    في الذكرى الحادية عشرة لإبادتنا، نوجه ندائنا إلى الضمير الحي في العراق والعالم: قفوا معنا لنطوي هذه الصفحة المظلمة بتحقيق العدالة للأيزيديين ولكل العراقيين، والسلام لكل الشعوب المحبة للخير.
    المجتمع الأيزيدي
    قضاء سنجار
    3 آب 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى