الاخبارمقابلات

بغداد تختنق.. فهل العباءة من تُنقذها؟

بغداد تختنق.. فهل العباءة من تُنقذها؟

د.علياء آل هذال/مركز العلا للتدريب والتنمية

في الوقت الذي تغرق فيه بغداد في نفاياتها، وتتنفس سموم مولداتها، وتذبل أشجارها واحدة تلو الأخرى، قرر مجلس محافظة بغداد أن العباءة الزينبية هي الأولوية. قرارٌ مُغلف بـ”الوقار”، لكنه جاء في لحظة كانت العاصمة بأمسّ الحاجة إلى قرار يحمل الأوكسجين لا القماش، ويزرع شجرة لا قيودًا على حرية اللباس.

نحن لا نعترض على العباءة بما تمثله من قيمة ثقافية أو رمزية دينية، لكننا نأسف حين تتحوّل إلى أداة سياسية لإلهاء الناس عن ركام البيئة المتعفنة، وعن أزمة النفايات التي تزاحمنا في أحيائنا قبل أن تصلنا قرارات المجالس.

البيئة تُنادي.. فمن يُجيب؟

بغداد اليوم ليست بحاجة لقرارات تنظيم اللباس، بل لقرارات تنقذ ما تبقى من هوائها. المدينة التي كانت تُلقب بـ”دار السلام” لم تعد تتنفس بسلام. الغبار يملأ صدور الأطفال، والمياه الملوثة تسري في أنابيبنا، والنخيل يُقطع بصمت، بينما يُطلب من النساء تغليف أجسادهن باسم “الهوية”.

أين لجنة البيئة من كل هذا؟ لماذا يُغض الطرف عن حرق النفايات في أطراف المدينة، وعن شوارع تحولت إلى مكبات مفتوحة، بينما يُناقش ما إن كانت طالبة جامعية ترتدي العباءة أو لا؟!

العباءة لا تحجب الدخان

القيم لا تُفرض، والهوية لا تُلزم، والعباءة – إن كانت خيارًا – فهي محترمة ومقدّسة، أما إذا كانت مفروضة بقرار، فإنها تتحول من رمزٍ للوقار إلى عبءٍ إداري، لا يحل أزمة، ولا يُرمم شارعًا، ولا ينقي هواء.

مجالس المحافظات ليست ساحات للوعظ، بل منصات لإدارة المدن. والمطلوب منها اليوم أن تطلق خطة طوارئ لمواجهة التصحر، أن تنشئ محطات تدوير نفايات، أن تدعم مشاريع الطاقة النظيفة، لا أن تدخل في صراعات حول شكل الرداء.

أولوياتنا ليست من قماش

دعونا نتحدث بوضوح: امرأة ترتدي عباءة أو لا، لن ترفع منسوب التلوث، ولن تخفّف الانبعاثات السامة. أما قرار جريء يعالج النفايات الطبية، أو يُنقذ نهر دجلة من التلوّث، فهو ما يُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة العراقيين.

العباءة لم تكن يومًا خصمًا. لكن تحويلها إلى أولوية، في زمن الأزمات البيئية والاجتماعية، يُعد انحرافًا عن البوصلة. فالقيم لا تُقاس بطول القماش، بل بعُمق الأثر الذي نتركه حين نخدم هذا الوطن بضمير حي.

إلى السادة في مجلس المحافظة:

بدل أن تُمضوا وقتكم في مراقبة ملابس النساء، راقبوا ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الغطاء النباتي، وموت النهر. امنحوا بغداد رئة تتنفس، لا عباءة تخنق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى