الاخبارمقالات

الهجمة المرتدة والمضادة للنساء ما بعد الانتفاضة

حديث نادية محمود في الندوة الالكترونية التي عقدها تحالف امان النسوي في  الذكرى الخامسة لانتفاضة تشرين 2019، والتي عقدت في يوم 25 تشرين الاول 2024.

الحضور الاعزاء، لقد جرى التأكيد على اهمية دور ومشاركة المرأة في الانتفاضة، متعددة الاشكال والمستويات. وجرى تناول ايضا، النقد على هذا الدور، من حيث شيوع النمط الرعائي على دور النساء داخل الساحات، ولناحية عدم رفع مطالب نسوية في الانتفاضة.  قبل ان اتي الى الندوة هذه، قرأت التعليقات على اعلان ندوتنا، حيث قام البعض من قراء الاعلان، بالسب وتوجيه الشتائم، والاتهامات اللاخلاقية، بمنظمات الندوة. في الوقت الذي تتحدث هذه الجهات الناقمة على حقوق المرأة، عن اشراك النساء بالسياسة، واشتراكها في الانتخابات، يتناسون، ان تنظيم الندوات، وتشكيل المنظمات، والانخراط في الاحتجاجات والانتفاضة والثورة، هي اشكال من العمل السياسي. فلا يمكن اذا انخرطت النساء باحد هذه النشاطات يجري رميها بابشع الصفات والاتهامات. النقد يجب ان يوجه للفعل لا للاشخاص واتهامهم بدون اي وجه حق.

 ولكن لا علينا. نعود الى ان حديث هذا اليوم، والذي سيتناول المرحلة التي اعقبت الانتفاضة، وكيف بدأت القوى الاسلامية بشن هجمة مرتدة ومضادة ضد حقوق النساء بعد تلك الانتفاضة.

يمكن لي تقسيم مراحل تلك الهجمة بثلاثة مراحل اساسية:

المرحلة الاولى: الهجمة على الجندر، وشيطنة هذا المصطلح، وتجريمه. وكان القصد من هذه الهجمة هي اسكاتنا كيلا ندافع عن المساواة بين المرأة والرجل. اسكاتنا عن المطالبة بانهاء التمييز الجنسي ضد النساء. لقد كان هذا التمييز هو احد اسباب انتفاضة النساء. لندع الارقام تتكلم، ليس قبل اربعة سنوات، بل الان، بعد تلك المشاركة العظيمة للنساء في الانتفاضة سنرى: في الاقتصاد: النساء تشغل فقط 11% من سوق العمل. اليس هذا تمييز ضد المرأة؟ في تقرير اعدته وزارة التخطيط يذكر ان 46% من الرجال يؤمنون بان من حقهم منع النساء من العمل. و40% يؤمنون بان من حق الرجل ان يمنع النساء من المشاركة في الانتخابات. اليس هذا تمييز ضد المرأة واعطاء حق التصرف بحقوق المرأة للرجل؟ بل الاكثر من هذا، ان العقلية الذكورية لا تسود بين الرجال بل وبين النساء ايضا. حوالي 62% من النساء يؤمنن بان من حق الرجل منع المرأة من المشاركة في الانتخابات. و 36.5% يؤمنون بان من حق الرجل منع النساء من التعليم. والاكثر من هذا: 82% من النساء يؤمنن، من حق الرجل ان يمنع النساء من السفر، او حتى الذهاب الى مراكز صحية. و63% من النساء يؤمنن بان من حق الرجل مراقبة سلوك وتصرفات المرأة.

كذلك من اشكال التمييز الاخرى، هو انه غير مسموح للمرأة ان تستخدم الفنادق، الا برفقة رجل من الاسرة. لا تستطيع المرأة لوحدها ان تستأجر غرفة في فندق لاغراض تخص عملها او حياتها الشخصية.  يشمل التمييز عدم قدرة الامهات على اصطحاب اطفالهن للسفر بدون موافقة الاب، في الوقت الذي يستطيع الاب مرافقة اطفاله للسفر دون موافقة الام. اليس هذا تمييز ضد النساء؟ وفقا لدراسة اجريت برئاسة الدكتورة هند علي في الشؤون القانونية، تبين ان 90% من الحالات المعروضة في المحاكم العراقية، هي قضايا تتعلق بالعنف ضد المرأة. لن نتحدث عن العمل الرعائي، غير المرئي، وغير المثمن وغير المقيم، والذي تتولى مسؤوليته النساء على امتداد السنين. والقائمة تطول عن اشكال التمييز الجنسي ضد المرأة. ان مشاركة النساء في الانتفاضة لم تأتي من فراغ، بل جاءت تعبير عن الغضب من التمييز، والعنف المؤسساتي والمقنون ضد المرأة. كل هذه الاسباب ليست باقية في مكانها، بل هي في ازدياد.

اذن تمت الهجمة المرتدة والمضادة للنسوية وعلى الجندر، لانهاء المطالبات بانهاء التمييز ضد النساء،  لاسكاتنا من مطالبتنا بتحقيق المساواة بين الجنسين، او ما يسمى بالعدالة والمساواة الجندرية.

المرحلة الثانية، التي شملتها الهجمة المرتدة والمعادية للنساء هي سعي الاحزاب الاسلامية المتنفذة في السلطة، تساندها القوى المعادية لحقوق المرأة ومساواتها، على الضغط على الدولة ومؤسساتها، لتغيير خطابها، التنصل من استراتجياتها، واعادة النظر حتى في مؤسساتها التي يفترض انها تعنى بقضايا المرأة.

 تخيلوا ان العراق وضع الاستراتيجية الوطنية للمرأة 2023-2030، وتتضمن هذه الاستراتيجية، الالتزام بالتمكين السياسي للمرأة، التمكين الاقتصادي للمرأة، والتمكين الاجتماعي، اضافة الى حماية المرأة من العنف الذي تتعرض اليه. ولكن مالذي حدث؟

لقد غيرت دوائر الدولة من اسم مؤسساتها المعنية بقضية المرأة من “دائرة تمكين المرأة العراقية” الى “دائرة شؤون المرأة العراقية”. حيث مرة اخرى جرت شيطنة مصطلح ” تمكين” المرأة وجرى تحميله بما لا يحمله. جرى توصيف “تمكين المرأة”، وتفسيره، حسب المؤسسات الحكومية، انه “تمكين للمرأة ضد الرجل”، وهذا ” لا يجوز”!!! اعادوا تفسير المصطلح بما يروق لهم، حتى يجري التنصل من محتواه. وهكذا روجوا له عن خطأ. مع سبق الاصرار على تشويه المفاهيم والمصطلحات، حتى يتنصلوا منها.

علما، ان اقسام تمكين المرأة في دوائر العمل العراقية لم تقم بعمل ل”تمكين المرأة” بشهادة الكثير من العاملات والموظفات. ونحن نعرف ان الطبيبات والمهندسات،على سبيل المثال لا الحصر، يتعرضن الى التمييز ضدهن، سواء داخل بيئة العمل، او حتى داخل بيوتهن. ولدينا ابحاث صادرة بهذا الخصوص تؤكد هذه الحقيقة. ومع هذا استكثرت الدولة وجود هذه المؤسسة الشكلية الفارغة من المحتوى، استكثرت وجود كلمة ” تمكين”، وغيرتها الى كلمة” شؤون المرأة”. واذن تم نسيان الاستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية 2023-2030. واستراتيجيات اخرى كتبت لحماية المرأة من العنف.

كما تم نسيان قرار مجلس الامن المتعلق بالمرأة والسلام، رقم 1325، والذي كان يفتخر به العراق، بانه البلد الوحيد في منطقة الشرق الاوسط، التي وضعت خطة وطنية لتنفيذه. لقد تم نسيان هذا القرار، ونسيان الخطة الوطنية باكملها. بقيت كل تلك الاستراتيجيات والسياسات  حبر على ورق، تغيرت المؤسسات، والمصطلحات، وازيلت من التداول الحكومي الرسمي، مثل ” التمكين” ” الجندر”، بل اصبح محرجا حتى للمنظمات الدولية، استخدامها وسط تراجع حكومي عنها. كذلك احرجت المنظمات النسوية، والنسويات الناشطات ضمن اطر منظمات المجتمع المدني.  للحد الذي فرضت على الدولة ان تتراجع عن ستراتيجياتها ومؤسساتها.

اما المرحلة الثالثة، فهي مرحلةالسعي مرة اخرى، الى الغاء وتغيير محتوى وجوهر قانون الاحوال الشخصية، تحت اسم “تعديل” قانون الاحوال الشخصية. رغم انها ليست المرة الاولى التي يتم فيها التعرض لقانون الاحوال الشخصية رقم 188، فمحاولات استبداله، او تغييره قد بدأت منذ عام 2003، ولكنها المرة الاولى التي يصل فيها مشروع قرار التعديل الى مرحلة القراءة الاولى والثانية في البرلمان. مما يرتب خطرا جديا على تعديل هذا القانون، حيث لم يبقى سوى الاقرار عليه، والذي من المتوقع ان يجري خلال هذه الايام، ان التئم النصاب القانوني في البرلمان.

ان خطورة هذا القانون تكمن في انه سيشرع لقانون يجيز زواج الاطفال، وانه سيسلب الام، الحق في حضانة الطفل، اذا ماتزوجت بعد الطلاق، خاصة اذا بلغ عمر الطفل الثانية من العمر فما فوق. وان الام تفقد حضانتها للطفل حال بلوغه سن السابعة من العمر، اما في الارث، فان الرجل له من الحقوق بأرث الزوجة، مما لا تملكه الزوجة في ارث زوجها. حيث تحرم النساء من ارث الارض الزراعية او الارض على العموم. هنالك حركة واسعة محتجة، ومنظمة في تحالف 188، او حتى خارجه، وهنالك اعتراض اجتماعي واسع ضد هذا التعديل، الا ان ممثلي الاحزاب الاسلامية مصرون على المضي قدما به. واذا كان هنالك ما يعترض التصويت عليه، فانه قد يعود الى الاوضاع العسكرية في المنطقة، واوضاع الحرب، فرغم الاعتراض الاجتماعي الواسع، الا انهم يظهرون تصلبا واصرارا على تبنيه.

هذه هي مفردات الهجمة المضادة التي حدثت بعد الانتفاضة، والتي قامت التيارات الاسلامية، والقوى الرجعية المناهضة لحقوق المرأة في المجتمع. الا اننا لا نملك الا ان نقول، ان التمييز والظلم بحق المرأة، من كل النواحي، كان احد الشرارات التي دفعت الى اسهام المرأة في انتفاضة تشرين، وان كل هذه الاسباب لازالت باقية، مما يدفع النساء الى الانتفاض مرة اخرى. لقد اظهرت القوى النسوية والمدنية تحالفا وتعاضدا قويا بعد اقتراح تعديل قانون الاحوال الشخصية، وهذا كان نتيجة من نتائج الانتفاضة، حيث فسحت المجال والفرصة لظهور المجتمع المدني، ومنظماته وللحركات الاجتماعية، لتقف صفا واحدا ضد امتهان كرامة وحقوق المرأة والطفل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى