الشرطة المجتمعية في العراق… يد القانون التي لا تحمي الضحية
الشرطة المجتمعية في العراق… يد القانون التي لا تحمي الضحية
طيبة علي
تقول “ف.أ.”، التي تعمل معلمةً في الكرادة في بغداد، إن “أخاها كاد أن ينهي حياتها خنقاً وآثار يديه لا تزال على عنقها، إثر مجادلة كلامية بسبب طريقة ارتدائها الحجاب”. اتصلت مراراً بالشرطة المجتمعية لتبلغهم عن تعرضها لسوء المعاملة، وبأنها لا تحتمل أن ترى أخاها أمامها بعد اليوم جراء التعنيف الذي تتعرض له، وقد تلقت الرد أخيراً بهذه الطريقة: “إحنا صائمين منو إله خلك إلج؟” (نحن صائمون ولسنا في وارد الاستماع إلى شكواك).
تصاعدت وتيرة العنف ضد النساء في العراق بشكل كبير منذ فترة جائحة كورونا، وتزايدت في العام الأخير. ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات مرفقة بكمّ هائل من الغضب وبتعليقات تعبّر عن امتعاض البعض ورفضهم للسلوكيات العدائية والعنف الأسري الحاصل في حقهن، واللافت حين تتبع هذا الواقع، أنه عندما تتوجه أنظار الإعلام نحو موضوعٍ ما، تتذكر السلطات على حياء أن تتحرّى حوله وتتابعه.
يكمن دور الشرطة المجتمعية في العراق، والتي شرعت وزارة الداخلية العراقية في تشكيلها في عام 2008، في حل المشكلات الاجتماعية ودعم الأسرة، وحماية حقوق الإنسان والشرائح الضعيفة والأقليات، وعُدّت حينها خطوةً على طريق دعم المرأة ومساعدتها، وهو ما حصل في كثير من الحالات، إلا أن الواقع المعيش يشي بأن كثيرات من النساء ما زلن يعشن ظروفاً مأساويةً.
دور الشرطة ويد القانون
تتداول النساء العراقيات في ما بينهن صور التعذيب والإرهاق النفسي الواضح عليهن، كرسائل محملة بالأسى، واللعنات، لمشاركة معاناتهن، وطلباً للنجدة، على أمل أن يحصلن على القليل من المواساة أو المساعدة، وهو طموح ليس مقدوراً عليه دائماً كتعويضٍ عن التقصير الحاصل من الجهات المسؤولة عن حمايتهن كمواطنات من الدرجة الأولى.
اتصلت “ف.أ” مراراً بالشرطة المجتمعية لتبلغهم عن تعرضها لسوء المعاملة، وبأنها لا تحتمل أن ترى أخاها أمامها جراء التعنيف الذي تتعرض له، فأتاها الرد: “إحنا صائمين منو إله خلك إلج؟”
في هذا السياق، تقول مسؤولة الرصد الإلكتروني في الشرطة المجتمعية في محافظة النجف، أسماء الطالقاني، إن “دور الشرطة المجتمعية هو حل المشكلات بطريقة ودّية وتوعوية من دون الاضطرار إلى اللجوء إلى مراكز الشرطة أو القضاء، وذلك من أجل تخفيف الزخم الحاصل بسبب البلاغات التي تتسلمها الشرطة بشكل يومي ومستمر، ونتعامل مع المتقدم بالبلاغ بشكل مباشر فور تلقيها المعلومات اللازمة”.
وتتحدث عن المعوقات التي تواجههم وتحدّ من عملهم، وأبرزها طبيعة المجتمع العراقي، العشائري، وعقلية الأهالي الصعبة، وهذا ما يتطلب منهم “التواصل معهم لأيام، فقط من أجل محاولة إقناعهم بالعزوف عن إيذاء الفتاة الهاربة أو قتلها على سبيل المثال”.
وحصلت الكثير من الحالات التي قامت فيها الشرطة المجتمعية بإرجاع الفتيات إلى ذويهن كما حصل مع طيبة العلي، التي تواصلت الشرطة المجتمعية وشرطة الديوانية مع ذويها بشكل شخصي بعدما أبلغتهم الأخيرة بأنها ستُقتل على يد عائلتها، وقامت الجهات المعنية بإلزام العائلة بالتوقيع على تعهد بعدم التعرض لها. وقد تدخلت جهات عشائرية أيضاً في محاولة لتهدئة الوضع، ولكن انتهت القضية بمقتل طيبة خنقاً بعد ثلاثة أيام، في 2 شباط/ فبراير الماضي.
بحسب الطالقاني، “نحن لدينا صلاحيات محدودة وعندما نواجه حالات ترفض العودة، نقوم بتسليمها إلى القضاء وتحال بعدها إلى دور الإيواء الموجودة في المحافظة. أما أن نقوم نحن بأخذ فتيات معنّفات رغماً عن أهلنّ، فلا يمكننا ذلك لأنه لا يوجد لدينا في القانون ما يتوافق مع مثل هذه الخطوة”.
وتضيف: “مهمتنا أن نحتوي القضية وأن نحول دون أن تتفاقم، وأن نقدّم إرشادات إلى الأهل حول الدعم النفسي وكيفية التعامل مع ضحايا العنف الأسري والابتزاز، بحدود الصلاحيات المتاحة لنا فقط، ثم نقوم بمتابعة الحالة بأساليبنا الخاصة ونحن جادّون في عملنا، لكن لا يوجد عمل لا يخلو من المشكلات والضغوط. وربما قد تحصل هناك إخفاقات صغيرة، إلا أنه لا يجب على النساء أن يمتنعن عن التقدم بالبلاغ أو الاتصال بنا”.
الأسى نهايته الموت
لن تكون هنالك حقوق كاملة لفرد ما من دون أن يعي احتياجه إلى هذا الحق بنفسه ومن دون أن تركز المؤسسات الحكومية على إعطاء هذا الحق، والأمان الاجتماعي لا يمكن أن يتوفر لضحية تعيش خائفةً في منزلها أكثر من عيشها خائفةً من الغرباء في الشوارع. يمكن للمرأة تلقّي الصفعات والركلات لكن لا يمكنها أن تتصل أو تتقدم بشكوى باحثةً عن منفذٍ لها، فالاحتمالات هنا ضئيلة وغير آمنة كونها منوطةً بصلاحيات معينة وشروط، فالطاعة والصمت يشكلان ضرورةً قصوى للنساء للبقاء على قيد الحياة؛ هكذا بنى هذا المجتمع أسواره حول المرأة، وجعلها مع الوقت، عاجزةً تماماً.
وأشارت دراسة عن العنف ضد المرأة في العراق، نُشرت في موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إلى أن غياب قانون رادع لحماية النساء والفتيات من العنف الأسري، وضعف مؤسسات إنفاذ القانون، وانتشار السلاح خارج نطاق الدولة، كُلها أسباب أدت الى تفاقم ممارسات العنف ضد النساء والفتيات.